اقتراح برامج إعلامية تتوخى النهوض بقيم المواطنة




مقدمـة :
تلعب البرامج الإعلامية دورا هاما في النهوض بقيم المواطنة باعتبارها
وسيلة مهمة لنشر هذه القيم.
-  فما معنى البرنامج الإعلامي؟
- و ما خطوات إعداده؟
- و ما هي منهجية كتابة مذكرة لعرض مقترحات على الجهات المعنية؟
І – مفهوم البرنامج الإعلامي للنهوض بقيم المواطنة وأنواعه:
1 – البرنامج الإعلامي وأهدافه:
البرنامج الإعلامي هو فعل تواصلي مع الجمهور لأجل تبادل المعلومات والتفاعل المشترك مع مشاكل المجتمع
قصد التأثير في سلوكات ومواقف الأفراد والجماعات في اتجاه تنمية الروح الوطنية والنهوض بقيم المواطنة.
يعتبر البرنامج الإعلامي أيضا فرصة لإشراك المستفيدين منه في فهم مشاكل مجتمعهم والمساهمة في التغلب
عليها، مما  يدعم جانب التحسيس والتواصل لديهم.
يدخل البرنامج الإعلامي ضمن علاقة تواصلية تربط بين كل من المُرسل الذي أعد الرسالة والمُرْسَلْ إليه أي
الجمهور ومادة التواصل وهي الرسالة الموجهة بالإضافة إلى قناة التواصل، وتكون إما كلمة أو صورة أو هما معا.
2 – تتنوع البرامج الإعلامية شكلا ومضمونا:
تنقسم البرامج الإعلامية من حيث الشكل إلى إعلام مكتوب يستهدف القارئ باستخدامه للكلمة المكتوبة
كالمقالات الصحفية والتحقيقات وغيرها، وإعلام مسموع موجه للمستمع بالكلمة المنطوقة عن طريق الأحاديث
والحوارات الإذاعية والندوات...، وأخيرا إعلام مرئي يوصل للمشاهد برامج تلفزية وإشهارات اجتماعية وغيرها
تختلف البرامج الإعلامية التي تتوخى النهوض بقيم المواطنة أيضا من حيث المضمون، ما بين إعلام يدخل
في مجال التحسيس، والهدف منه التأثير في أفكار ومواقف وسلوكات الجماعات والأفراد بهدف التوعية والتربية
وإعلام يدخل ضمن مجال الترافع والتفاوض مع المسؤولين، والهدف منه التأثير في مسلسل اتخاذ القرار أو القيام
بإنجازات لصالح المواطن.
ІІ – خطوات إعداد وتطبيق برنامج إعلامي للنهوض بقيم المواطنة:
1 – خطوات إعداد البرنامج:
تتضمن خطوات إعداد البرنامج الإعلامي وضع تصور شامل يتضمن:
* اختيار وتحديد الموضوع الذي يجب أن يكون مرتبطا بخدمة قضية مجتمعية لها علاقة بإحدى قيم
المواطنة كالحرية أو المساواة أو التضامن مع تحديد الأهداف وتفصيلها وإمكانية تحقيقها بحيث
تكون في مستوى القدرات والإمكانيات المتاحة.
* تحديد الفئة المستهدفة بمعرفة مجالها ومواصفاتها العمرية والعقلية والاجتماعية وذلك بارتباط
مع الأهداف المسطرة.
* البحث وعن المادة العلمية (وثائق- استطلاعات..) ثم تحليلها بعد حصر الموارد المالية والبشرية
والتنظيمية والجهات المتعاونة لإنجاح المشروع، كالإدارة وهيئة التدريس أو إحدى مكونات المجتمع
المدني .
بعد وضع التصور ينبغي وضع تخطيط ممنهج، وذلك ب:
* صياغة النص التواصلي انطلاقا من المادة العلمية المتوفرة مع وضوح المحتوى وتوجيهه لخدمة
الأهداف المسطرة حتى يؤثر في فكر وسلوك المتلقي مع استثمار الدعامات التواصلية المناسبة
ومراعاتها الوقت المخصص للبرنامج.
* ضبط العمليات، بتحديد عدد المتدخلين والمشاركين وفضاءات النشاط وتوزيع الأدوار حسب الرغبات
ووضع آليات للتتبع والتقويم.
* البحث وعن المادة العلمية (وثائق- استطلاعات..) ثم تحليلها بعد حصر الموارد المالية والبشرية
والتنظيمية والجهات المتعاونة لإنجاح المشروع، كالإدارة وهيئة التدريس أو إحدى مكونات المجتمع
المدني .
2 – تطبيق خطوات إعداد برنامج إعلامي:
* اختيار برنامج إعلامي يتوخى النهوض بقيم المواطنة: دور مدونة الأسرة في النهوض بوضعية المرأة
تمدرس الفتاة القروية، محاربة الاستغلال الجنسي للأطفال، ترشيد استعمال الماء الصالح للشرب....
* تحديد الصيغة الإعلامية للبرنامج: حوار إذاعي، مقابلة مصورة، مقال صحفي، ملصق إشهار...
* استحضار البطاقة الوطنية الواصفة لخطوات البرنامج الإعلامي وتطبيقها.
ІІІ – تطبيقات: التدرب على كتابة مذكرة مبررة بحجج لعرض مقترحات على الجهات المعنية:
1 – الاطلاع على بطاقة منهجية لكتابة مذكرة:
* على  مستوى الشكل: تحدد العناصر الأساسية لصياغة المذكرة كتاريخ ومكان الكتابة والجهة
المرسلة والمرسَل إليه مع تحديد موضوع المذكرة ومناسبة بعثها.
على  مستوى الجوهر: إتباع أسلوب البرهنة بالدفاع عن الأطروحة التي يجب أن تكون نابعة
من خلاصات مرحلة التصور بعد دراسة الخلفية الفكرية للجهة التي ستعرض عليها وموقعها في
اتخاذ القرار.
* نهج أسلوب القناع بتهييء الحجج المنطقية للدفاع عن المقترحات بالتوضيح والشرح والتفسير.
2 – كتابة مذكرة مبررة بحجج:
بعد الاطلاع على بطاقة منهجية لكتابة مذكرة مبررة بحجج لعرض مقترحات على الجهات المعنية يجب
صياغتها اعتمادا على البرنامج الذي تمت المساهمة به، وذلك ب:
* احترام العناصر الشكلية في كتابة المذكرة.
* الاجتهاد في بناء الحجج التي تبرز رفع هذه المذكرة.
* تنظيم وترتيب الحجج حسب أهميتها مع توضيحها وتفسيرها.
* رفع المذكرة إلى الجهات المعنية لعرض المقترحات إما بتسليمها مباشرة أو عبر البريد
مع الاحتفاظ بنسخة منها.
خاتمـة:
تعتبر مساهمة الجميع في اقتراح برامج إعلامية للنهوض بقيم المواطنة وسيلة
من وسائل بناء المجتمع المدني الحديث .

المنهج الإسلامي في مكافحة الخمر والمخدرات



معالم المنهج الإسلامي في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية منها
بعد هذا العرض نصل إلى محاولة استخلاص أهم معالم المنهج الإسلامي وخطته في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية من أضرارها المختلفة، ومن الواضح أنه منهج يندرج في النسق العام لفلسفة الإسلام الشاملة في التربية والتغيير وإعادة تشكيل الأفراد والمجتمع وفق المنظور الإسلامي المتميز.
إن معالجة الإسلام لموضوع الخمر والمخدرات كانت عبارة عن مخطط محكم، برنامج عمل طويل الأمد، منح لنفسه ما يكفي من الوقت، وجند لإنجازه وإنجاحه مختلف الوسائل المتوفرة، فاتحدت إلى جانبه الإرادات الفردية والاجتماعية والتشريعية والسياسية، تدعمه وتسانده، وتسهر على تنفيذه، وتحرص على إنجاحه، ومن أهم تلك الجوانب التي شملها هذا المخطط ما يلي :
 الجانب الفردي : حيث وقع التركيز في المعالجة والوقاية بالدرجة الأولى على الأفراد، على الإنسان، على تغيير ما بنفسه من أجل تغيير حاله وواقعه، ولذلك كانت الركيزة الأولى هي بناء الأساس العقدي النفسي عند الإنسان، ودعم مناعته النفسية عن طريق تقوية إيمانه، وتعزيز تشبثه بتعاليم الإسلام، وتحسيسه بأهمية الاندماج في مجتمعه المسلم، وبضرورة الحفاظ على نفسه وصحته من الهلاك.
وكان أسلوب المعالجة متنوعاً فيه ترغيب وترهيب، وفيه وعد ووعيد، وفيه نصح وإرشاد وتوجيه، وفيه أيضاً تلطف بالعاصي المخالف وتحفيز له على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وإلى أحضان المجتمع ليتخلص بسرعة من ذنبه ومن آثار زلته، أسلوب يخاطب العقل ويقنعه بالحجة والبرهان، ويستميل العاطفة بالرفق وبالتي هي أحسن.
 الجانب الاجتماعي : من أهم عوامل نجاح هذا المنهج أن توفرت له "الإرادة الاجتماعية" أي اتفاق الجميع على قبوله واتباعه، ومساهمتهم الفعالة في تنفيذه وتطبيقه. وقد تجلى ذلك في الاستجابة الفورية لتطبيق أمر الله ورسوله في تحريم تعاطي الخمر والتعامل بها، وفي إتلافها وإزالة آثارها من الحياة الاجتماعية للمسلمين، كما تتجلى في تعزيز حملة مكافحة الخمر عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما ساعد على تقوية المناعة الاجتماعية ضد أي مخالفة لأوامر الله في الخمر والمسكرات.
 الجانب التشريعي والتنفيذي : كانت الإرادة التشريعية الإسلامية واضحة صريحة حازمة في تحريم الخمر والمخدرات، وهو ما يظهر من خلال مجموعة النصوص (آيات قرآنية، أحاديث نبوية، فتاوى فقهية) التي صدرت بشأن تعاطي الخمر والمخدرات، والمتاجرة فيها، والتعامل بها، والتحذير من أضرارها ومخاطرها. وإلى جانب هذه الإرادة التشريعية، كانت هناك الإرادة السياسية التنفيذية، بخاصة في عهد النبوة والخلافة الراشدة، حيث أظهر الرسول صلى الله عليه و سلم    وصحابته الكرام حزماً وعزماً أكيدين في تنفيذ حكم الله في الخمر والمسكرات، وتخليص المسلمين والأمة الإسلامية منها ومن آثارها المدمرة.

المفسدات الحسية:
وهي التي تؤدي إلى الإخلال بالعقل، بحيث يصبح الإنسان كالمجنون، وهذه المفسدات هي: الخمور والمخدرات وما شابهها.
وقد جاء تحريم ذلك في كتاب الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:91).
كما ورد تحريمها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات، وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة" (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". (متفق عليه)
أي إنه حين يشربها يرتفع عنه إيمانه، كما قال بذلك بعض أهل العلم. وكذلك لعن كل من يمت للخمر بصلة في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها". (صحيح الجامع).
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذريعة وسبب قد يؤدي إلى تناولها، وذلك من التدابير الوقائية، فنهى عن الجلوس على مائدة يدار فيها الخمر، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر".
وكذلك حرم التداوي بالخمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس بدواء ، ولكنه داء" (صحيح الجامع) وذلك تحرزاً من الاعتياد عليها من مبدأ التداوي بها. لذلك قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".(صحيح الجامع)
وقد أجمع الفقهاء الذين ظهرت في عصورهم هذه الآفة على تحريمها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الحشيشة الملعونة المسكرة، فهي بمنزلة غيرها من المسكرات، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً". (مجموع الفتاوى ج 34 ص 204).
ولا يشك عاقل في ضرر المسكرات والمخدرات على العقل وإفسادها له ، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الخمر ما خامر العقل" أي غطاه.
وتغطية العقل تؤدي إلى فساد تصرف الإنسان؛ فيخرج بأفعاله عن المألوف؛ وكلامه عن المعروف؛ فالخمر مفتاح كل شر كما قال بذلك النبي صلى الله عليه وسلم "لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر" (صحيح الجامع).
فشرها وشؤمها لا يقتصر على صاحبها فحسب، بل يتعدى إلى الغير، ويجر متناولها إلى ارتكاب منكرات ومفاسد كثيرة في الناس، فهي أعظم أسباب التعدي على الضرورات الخمس، التي جاءت الشريعة بحمايتها وحفظها، فكم حصل بسببها سفك للدماء المحرمة، وانتهاك للأعراض وإتلاف للأموال، وإفساد للعقول وتفويت لمصالح الدين وتضييع لأمانات الحقوق والمعاملات التي شملها مفهوم الأمانة الواسع الذي هو كل ما في عهدة الإنسان من أمور حسية ومعنوية من حقوق ومعاملات ونعم وغيرها.
ومن المناسب أن نذكر هنا قصة وردت في السنة تكشف تعدي خطر الخمر على الحقوق والضرورات.. فقد روى النسائي بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد، فعلقته - أي أحبته وعشقته - امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية ـ أي إناء خمر- فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمر كأساً، أو تقتل هذا الغلام، فقال: فاسقيني من هذا الخمر كأساً، فقال: زيدوني، فلم يدم حتى وقع عليها، وقتل النفس.. فاجتنبوا الخمر؛ فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا يوشك أن يخرج أحدهما الآخر".
وقد بينت إحصائيات الأمن العالمية أن الصلة وثيقة بين السُكْر وبين القتل، والضرب والجرح ، الجرائم الجنسية والحريق والجرائم غير العمدية كحوادث السيارات مثلاً.
ومن سلبيات المخدرات الشنيعة أنها سبب في تشتيت الحياة العائلية؛ فتصبح حياة المؤمن الزوجية جحيماً لا يطاق، فهو مهمل لبيته وزوجته وأولاده مهين لهم، تزداد عنده حالة الشك والريبة في كل من حوله.
والآن لماذا تعاطي هذه القنابل الذرية المدمرة للذات والعقل والروح؟ وقد بينت الإحصائيات أن أكثر من دمرت هذه القنابل فئة الشباب الذين هم قوة الشعوب وطاقتها حيث يبلغ نسبتهم حوالي70% من مجموع أعداد المدمنين.
ومما يدفع إلى تعاطيها - وخاصة فئة الشباب - عدة أسباب رئيسية نستطيع أن نجملها في أمور منها:
1ـ اتفق المصلحون على أن ضعف الإيمان وغياب الوازع الديني سبب رئيسي لانتشار المخدرات، وذلك الأمر يعود إلى ضعف التربية الإيمانية وغياب التوعية الدينية من قبل الآباء لأبنائهم وإهمال إنشاء الحصانة العقيدية والفكرية التي تغرس في قلب الناشئ معرفة الله تعالى  ومراقبته واستشعار معيته وعظمته، حتى تتعلق قلوبهم وأرواحهم بالله تعالى خوفاً ورجاءً؛ فتكون جميع حركاتهم وسكناتهم السرية والعلنية موافقة لمنهج الله تعالى لإحساسهم الدائم بمراقبته وإحصائه لأعمالهم وأنهم مجزيون بها عائدة عليهم تبعتها كما قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (النجم: من الآية31). وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى*  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} (النجم:41) .
والمواصلة معهم على المنهج التربوي الإيماني والتركيز عليه، وبهذا المنهج تربى الطفل في عصر النبوة تربية راسخة، جعلته قوة فعالة ثابتة، وروحاً تقية نقية، في أمثلة واقعية تفوق الخيال، فلا يكاد يفرق بين الرجل الكبير والطفل الصغير؛ فالكل كبار بأفعالهم الحميدة.
2- الانفتاح المادي مقابل التوسع الإعلامي أحدث تيارات من الفتن والمغريات الجارفة، قل صبر فئات كثير من الناس أمامها، فانغمسوا فيها، ونسوا كثيراً مما ذكروا به، وغفلوا عن أوامر ربهم، وما رتب عليها من الجزاء، فغلبت الشهوات وضعف الدين، وتنكب كثير من المسلمين عن صراط الله المستقيم.
3ـ ومن أسباب انتشار المخدرات: تفكك المجتمع والروابط الأسرية وعدم وجود الروابط الاجتماعية المتنوعة، إذ إن الحياة العصرية الحديثة اتسمت بالجري الدائم وراء المزيد وتحقيق المصالح الشخصية، الأب يريد أن يزيد دخله ويرفع مدخراته، والأم تسعى لإبراز وجودها الاجتماعي- وما يتطلبه ذلك من مظاهر- وكذلك استغلال دخلها المادي، والأبناء لهم مطالب في مجاراة أترابهم وأبناء عصرهم الذين بهرهم بريق الحضارة الغربية، بما تحمله من ضلال وفساد، فكان من جراء ذلك التقليد الأعمى، والتطبيق لما يرد عليهم من هناك تحت مسميات وشعارات "الموضة والترفيه" وأحياناً باسم التقدم والتطور وأوهام الحرية المزعومة، فتشكل من ذلك كله ضعف الترابط الأسري، واتساع الفجوة بين الآباء والأبناء وصعوبة التفاهم بينهم، فانتقل هذا التيار المدمر من بلاد الغرب إلى البلاد العربية والإسلامية، فأدى إلى اضطرابات نفسية وقلاقل اجتماعية وجدب عاطفي، دفع الكثير من الشباب إلى تناول المسكرات والمخدرات كحل ومهرب من هذه الضغوط.
وتحت هذا السبب أيضاً، فإن الشاب قد يصل إلى مرحلة متطورة من الإدمان دون أن يشعر أفراد البيت ببوادر تناوله للمخدرات الواضحة، وما ذلك إلا لغياب دور الرقيب من قبل الآباء والأمهات وإهمال متابعة الأبناء والجلوس والحديث معهم عن قرب بصورة دائمة لكثرة الارتباطات والعلاقات وازدحام الأشغال.
4ـ وهذا السبب يمكن أن يلحق بالسبب السابق، ألا وهو أصحاب السوء وهم من أهم أسباب انتشار المخدرات؛ فيندفع الشاب حيال ضغوط الأصحاب وإغراءاتهم إلى أن يجرب بعض الخمور والمخدرات، كما يدفعه إلى ذلك عوامل عديدة من بينها: البحث عن اللذة والعابرة، وتجريب الجديد، وإشباع الفضول وحب المغامرة، وإثارة التقليد.
ومن المعلوم ما للقرناء من تأثير قوي على الإنسان، سواء السلبي منه والإيجابي، فإن دائرة التأثير ستتناول الصاحب سواءً رغب أم لم يرغب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".(رواه أبوداود والترمذي عن أبي هريرة وحسنه الألباني)
5ـ إن هناك سبباً لا يمكن إغفاله؛ لأنه له دور خطير في ترويج المخدرات وإبراز أساليب نقلها وانتشارها وتناولها، ألا وهو وسائل الإعلام.. يقول أحد الأطباء المختصين بعلاج الإدمان: "قد ظهر واضحاً لنا أن من أهم عوامل إقبال الشباب على إدمان المخدرات، هو التقليد الأعمى لما يشاهدونه في الأفلام سواءً كانوا في العالم الغربي أم في العالم العربي، وما يشيعونه من تقليعات يقلدها الشاب".
ومن ذلك ظهور الممثل وهو يتعاطى المخدرات - خاصة إذا كان هو بطل القصة - فإن هذا يعد من أنجح أساليب دفع الأطفال والشباب إلى تقليدهم، وكذلك ما يصور في تلك الأفلام من أساليب ووسائل ماكرة لترويجه ونقله من مكان إلى آخر، وطرق بيعه وشرائه والحصول عليه، ونحو ذلك مما يسهل عملية التطبيق ويفتح أبواباً لحركة الترويج.
6ـ ومن الأسباب المساعدة على انتشار المخدرات: الفراغ والملل الذي يرجع إلى عدم معرفة الهدف الصحيح والغاية من الحياة، وعدم وجود التصور الواضح للواجبات والمسؤوليات، ويعد الفراغ ووفرة الوقت لدى الناس ـ والشباب بصفة خاصة ـ مشكلة من المشاكل الكبيرة التي يعانون منها، فإن كثيراً من مظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة ـ ومنها المخدرات ـ كان الفراغ من أهم الأسباب الدافعة إليها، إذ أن وفرة الوقت دون عمل يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية والأفكار والهواجس النفسية الخطيرة مما لا يمكن أن يحصل له أثناء الانشغال بعمل ما.
وتزداد ساعات الفراغ عند الشباب خاصة لتصل إلى أكثر من 7 ساعات في الإجازات، وهذا الأمر يدعو لمزيد من القلق والحذر وأخذ الحيطة من الأخطار التي يمكن أن يقع فيها هذا الشباب المندفع دون هدف أو تخطيط أو برمجة.
فتظل مشكلة استثمار أوقات الفراغ لشبابنا، بطرق ووسائل وأساليب إيجابية هدفاً يجب أن يسعى الجميع إلى تحقيقه، وذلك من أبرز الطرق الوقائية والفعالة في مجال مكافحة تعاطي المخدرات، كما نوصي الآباء بالاهتمام بإشغال وقت فراغ أبنائهم من خلال التفرغ للجلوس والحديث معهم وربطهم بالنشاطات العلمية والبرامج الثقافية والرياضية المختلفة، ووضع هذه النشاطات في جداول زمنية منظمة تكفل شغل كامل يوم الابن دون ثغرات.
إذن ما هو الحل؟
بعد هذا الاستعراض لمشكلة المخدرات من المنظور الشرعي وأسباب انتشارها يتساءل كل عاقل غيور ما الحل إذن؟
نقول: الإسلام هو الحل الوحيد الذي يقدم حلاً شمولياً جذرياً لهذه المشاكل؛ ذلك لأن الإسلام يعالج المشكلة من جذورها، وأهم جذورها هو المستهلك، وهو الشخص القابل لتناول المخدرات، الشخص الذي ضعف إيمانه، وأمام أي مشكلة يجد نفسه مرتاعاً قلقاً مضطرباً يبحث عن مهرب في جرعة يتناولها تنسيه لحظتها همومه، ثم يعقبها بعد ذلك هموم وحسرات لا تنتهي إلى الأبد.
إن تطبيق الإسلام الصحيح في كافة مناحي الحياة يشمل الفرد والمجتمع، يؤدي إلى  تجفيف منابع الشر والتشتيت، فالمجتمع الإسلامي الحقيقي مجتمع مترابط متكافل يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، وهو كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
إن تطبيق الإسلام بإيمانياته وسلوكياته، يعطي المؤمن شعوراً بالرضا والسعادة؛ لأنه على صلة بالله في ليله ويومه، إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته نعماء شكر، وأمره كله خير، إذا نزلت عليه مصيبة لجأ إلى مولاه وبارئه متوكلاً عليه، معتمداً على كرمه، فهو في سعادة حتى يقول قائلهم وهو في تلك اللحظات الروحية: "لو كان أهل الجنة عيشهم كعيشي؛ إنهم إذن لفي عيش طيب".!
كل ذلك ممكن أن يصيغه الإسلام الصحيح والإيمان العميق، بل أكثر من ذلك، فهو الحل لمئات المشاكل والانحرافات الأخرى، ولكن بشرط واحد: أن ينفذ الإسلام على الوجه الصحيح جملة واحدة، ولا يجزأ فيقبل منه جزء ويترك جزء ويطبق أمر ويترك آخر، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: من الآية208). أي في الإسلام المأمور به كله بجزئياته وتفضيلاته.
لنستمع لهذه القصة التي يظهر فيها قوة الاستجابة عند المؤمن دون الحاجة إلى رقيب، فالرقيب في النفس، والله حاضر شاهد.. أخرج الأمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي دجانة، ومعاذ بن جبل، وسهل بن ياء حتى مالت رؤوسهم من خليط بر وتمر، فسمعت مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90). وفي موقف آخر: فعندما سمعوا الأمر {فهل أنتم منتهون} قالوا انتهينا ربنا، انتهينا ربنا.
تلك هي ثمرة الإيمان، ولا بد أولاً من غرس بذرة الإيمان حتى نقطف ثمارها، ولن يجدينا كثيراَ ـ إذا فقدنا الإيمان الرادع ـ أن نوضح بالأرقام والعلوم والطب وكل وسائل الإعلام أضرار الخمر والمخدرات، لن يجدينا ذلك مع فقد الإيمان، من ذلك أيضاً الشقاء والتعاسة الذي تعيشه الإنسانية اليوم لا حل آخر لها غير الإسلام وتحقيق اللجأ إليه وتوثيق الصلة به سبحانه قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:126) .
ولا نقول كقول القائل: تلك أمة قد خلت؛ بل إن هذه المواقف الإيمانية والاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم قائمة ماثلة أمام أعيننا في هذا العصر، بل قد تصل إلى المعجزات الباهرة التي أعجزت جميع القوى البشرية، ومن ذلك تحول بعض نزلاء السجون الأمريكيين ومدمني المخدرات إلى الطهارة والنقاء بعد أن قذف الله في قلوبهم نور الإيمان ودخلوا في دين الله أفواجاً حتى شكلوا بأحد سجون واشنطن نسبة 23% من مجموع المسجونين.
ثم لا يفوتني هنا أن أركز على دور البيت كحل وقائي دون انغماس الأبناء في الرذائل والانحرافات المختلفة، فالواجب على الآباء والأمهات أن يكونوا  قائمين على البيوت بالمتابعة والمراقبة مغلقين دون أبنائهم أبواب الفساد، فوجودهم الصالح في البيوت وإيجاد المناخ الإسلامي أعظم سبب للإصلاح ـ بعد توفيق الله - كما أن غيابهم وذهاب سلطانهم في البيوت من أعظم أسباب الانحراف والتشتت.
إن مسؤوليتهم في هذا الجانب تتمثل في توعية الأبناء بأخطار المخدرات، وطبيعة انتشارها، وجلوسهم معهم من وقت لآخر ليزودوهم بالمعلومات التي تبرز هذا الأمر ونهاياته التعيسة وتزويدهم بالإحصائيات المروعة في ذلك، وقفل كل باب يمكن أن يؤدي إلى تعاطي المخدرات وأهمه: رفقاء السوء، والأفلام التي تمجد وتعظم متعاطي المخدرات، وحماية الشباب من السفر لبلاد الخارج حيث تنتشر المخدرات والمسكرات بصورة أكبر وعلى جميع المستويات، هذا ما يمكن إجماله في أسباب الوقاية وحلول العلاج من هذه السموم القاتلة.
سائلين المولى الكريم أن يقينا وجميع المسلمين من شرورها، ويعصمنا من كل سوء، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ظاهرة الاحتباس الحراري


على مدار التاريخ الإنساني عرفت الأرض العديد من التغيرات المناخية التي استطاع العلماء تبرير معظمها بأسباب طبيعية، مثل: بعض الثورات البركانية أو التقلبات الشمسية، إلا أن الزيادة المثيرة في درجة حرارة سطح الأرض على مدار القرنين الماضيين (أي منذ بداية الثورة الصناعية) وخاصة العشرين سنة الأخيرة لم يستطع العلماء إخضاعها للأسباب الطبيعية نفسها؛ حيث كان للنشاط الإنساني خلال هذه الفترة أثر كبير يجب أخذه في الاعتبار لتفسير هذا الارتفاع المطرد في درجة حرارة سطح الأرض أو ما يُسمى بظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming.
وفي إطار دراسة تطور تأثيرات هذه الظاهرة وزيادة الوعي العام بها للحد من زيادتها يعقد حاليًا في الفترة من 13 إلى24 نوفمبر في هولندا الدورة السادسة لمؤتمر تغيرات المناخ الذي يقام تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي يحضره أكثر من عشرة آلاف عضو من مختلف دول العالم، ويرفع المؤتمر في هذه الدورة شعار التفعيل لما سبق اتخاذه من قرارات "
Work it out "؛ لمحاولة تخفيض المنبعث من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك لحماية هذا الكوكب من تطورات هذه الظاهرة التي قد تعوق الحياة عليه كلية.
يمكن تعريف ظاهرة الاحتباس الحراري
Global Warming على أنها الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض؛ كنتيجة لزيادة انبعاثات غازات الصوبة الخضراء greenhouse gases منذ بداية الثورة الصناعية، وغازات الصوبة الخضراء والتي يتكون معظمها من بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز والأوزون هي غازات طبيعية تلعب دورًا مهمًا في تدفئة سطح الأرض حتى يمكن الحياة عليه، فبدونها قد تصل درجة حرارة سطح الأرض ما بين 19 درجة و15 درجة سلزيوس تحت الصفر، حيث تقوم تلك الغازات بامتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض كانعكاس للأشعة الساقطة على سطح الأرض من الشمس، وتحتفظ بها في الغلاف الجوي للأرض؛ لتحافظ على درجة حرارة الأرض في معدلها الطبيعي.
لكن مع التقدم في الصناعة ووسائل المواصلات منذ الثورة الصناعية وحتى الآن مع الاعتماد على الوقود الحفري (الفحم و البترول و الغاز الطبيعي) كمصدر أساسي للطاقة، ومع احتراق هذا الوقود الحفري لإنتاج الطاقة واستخدام غازات الكلوروفلوركاربونات في الصناعة بكثرة؛ كانت تنتج غازات الصوبة الخضراء
greenhouse gases بكميات كبيرة تفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض، وبالتالي أدى وجود تلك الكميات الإضافية من تلك الغازات إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الحرارة في الغلاف الجوي، وبالتالي من الطبيعي أن تبدأ درجة حرارة سطح الأرض في الزيادة.
بالتأكيد نظام المناخ على كوكبنا أكثر تعقيدًا من أن تحدث الزيادة في درجة حرارة سطحه بهذه الصورة وبهذه السرعة، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في درجة حرارته؛ لذلك كان هناك جدل واسع بين العلماء حول هذه الظاهرة وسرعة حدوثها، لكن مع تزايد انبعاثات تلك الغازات وتراكمها في الغلاف الجوي ومع مرور الزمن بدأت تظهر بعض الآثار السلبية لتلك الظاهرة؛ لتؤكد وجودها وتعلن عن قرب نفاد صبر هذا الكوكب على معاملتنا السيئة له.
آخر ما تم رصده من آثار الظاهرة
ومن آخر تلك الآثار التي تؤكد بدء ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل فعلي والتي تم عرضها خلال المؤتمر:
ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات خلال الخمسين سنة الأخيرة؛ حيث ارتفعت درجة حرارة الألف متر السطحية بنسبة 0.06 درجة سلزيوس، بينما ارتفعت درجة حرارة الثلاثمائة متر السطحية بنسبة 0.31 درجة سلزيوس، ورغم صغر تلك النسب في مظهرها فإنها عندما تقارن بكمية المياه الموجودة في تلك المحيطات يتضح كم الطاقة المهول الذي تم اختزانه في تلك المحيطات.

تناقص التواجد الثلجي وسمك الثلوج في القطبين المتجمدين خلال العقود الأخيرة؛ فقد أوضحت البيانات التي رصدها القمر الصناعي تناقص الثلج، خاصة الذي يبقى طوال العام بنسبة 14% ما بين عامي 1978 و 1998، بينما أوضحت البيانات التي رصدتها الغواصات تناقص سمك الثلج بنسبة 40% خلال الأربعين سنة الأخيرة، في حين أكدت بعض الدراسات أن النسب الطبيعية التي يمكن أن يحدث بها هذا التناقص أقل من 2% .
ملاحظة ذوبان الغطاء الثلجي بجزيرة "جرين لاند" خلال الأعوام القليلة الماضية في الارتفاعات المنخفضة بينما الارتفاعات العليا لم تتأثر؛ أدى هذا الذوبان إلى انحلال أكثر من 50 بليون طن من الماء في المحيطات كل عام.
أظهرت دراسة القياسات لدرجة حرارة سطح الأرض خلال الخمسمائة عام الأخيرة ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمعدل درجة سلزيوس واحدة ، وقد حدث 80% من هذا الارتفاع منذ عام 1800، بينما حدث 50% من هذا الارتفاع منذ عام 1900.
أظهرت الدراسات طول مدة موسم ذوبان الجليد وتناقص مدة موسم تجمده؛ حيث تقدم موعد موسم ذوبان الجليد بمعدل 6.5 أيام /قرن، بينما تقدم موعد موسم تجمده بمعدل 5.8 أيام/قرن في الفترة ما بين عامي 1846 و1996، مما يعني زيادة درجة حرارة الهواء بمعدل 1.2 درجة سلزيوس/قرن.
كل هذه التغيرات تعطي مؤشرًا واحدًا وهو بدء تفاقم المشكلة؛ لذا يجب أن يكون هناك تفعيل لقرارات خفض نسب التلوث على مستوى العالم واستخدام الطاقات النظيفة لمحاولة تقليل تلك الآثار، فرغم أن الظاهرة ستستمر نتيجة للكميات الهائلة التي تم إنتاجها من الغازات الملوثة على مدار القرنين الماضيين، فإن تخفيض تلك الانبعاثات قد يبطئ تأثير الظاهرة التي تعتبر كالقنبلة الموقوتة التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ متى ستنفجر، وهل فعلًا ستنفجر!!

يمكن تعريف ظاهرة الانحباس الحراري على أنها الزيادة التدريجية في درجة حرارة أدنى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض؛ كنتيجة لزيادة انبعاثات غازات الصوبة الخضراء منذ بداية الثورة الصناعية، وغازات الصوبة الخضراء والتي يتكون معظمها من بخار الماء، وثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز والأوزون هي غازات طبيعية تلعب دورًا مهمًا في تدفئة سطح الأرض حتى يمكن الحياة عليه، فبدونها قد تصل درجة حرارة سطح الأرض  ما بين 15-19 درجة سلزيوس تحت الصفر، حيث تقوم تلك الغازات بامتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض كانعكاس للأشعة الساقطة على سطح الأرض من الشمس، وتحتفظ بها في الغلاف الجوي للأرض؛ لتحافظ على درجة حرارة الأرض في معدلها الطبيعي.
لكن مع التقدم في الصناعة ووسائل المواصلات منذ الثورة الصناعية وحتى الآن مع الاعتماد على الفحم و البترول و الغاز الطبيعي كمصدر أساسي للطاقة، ومع احتراق هذا الوقود الحفري لإنتاج الطاقة واستخدام غازات الكلوروفلوركاربونات في الصناعة بكثرة؛ كانت تنتج غازات الصوبة الخضراء بكميات كبيرة تفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة الأرض، وبالتالي أدى وجود تلك الكميات الإضافية من تلك الغازات إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الحرارة في الغلاف الجوي، وبالتالي من الطبيعي أن تبدأ درجة حرارة سطح الأرض في الزيادة.
بالتأكيد نظام المناخ على كوكبنا أكثر تعقيدًا من أن تحدث الزيادة في درجة حرارة سطحه بهذه الصورة وبهذه السرعة، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في درجة حرارته؛ لذلك كان هناك جدل واسع بين العلماء حول هذه الظاهرة وسرعة حدوثها، لكن مع تزايد انبعاثات تلك الغازات وتراكمها في الغلاف الجوي ومع مرور الزمن بدأت تظهر بعض الآثار السلبية لتلك الظاهرة؛ لتؤكد وجودها وتعلن عن قرب نفاد صبر هذا الكوكب على معاملتنا السيئة له.
ظاهرة الاحتباس الحراري هي ظاهرة طبيعية بدونها قد تصل درجة حرارة سطح الأرض إلى ما بين 19 و15 درجة سلزيوس تحت الصفر؛ حيث تقوم الغازات التي تؤدي إلى وجود هذه الظاهرة (غازات الصوبة الخضراء) والموجودة في الغلاف الجوي للكرة الأرضية بامتصاص الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض كانعكاس للأشعة الساقطة على سطح الأرض من الشمس وتحبسها في الغلاف الجوي الأرضي، وبالتالي تعمل تلك الأشعة المحتبسة على تدفئة سطح الأرض ورفع درجة حرارته، ومن أهم تلك الغازات بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز بخلاف الغازات المخلقة كيميائيًّا، والتي تتضمن الكلوروفلور وكربونات CFCs، وحيث إن تلك الغازات تنتج عن العديد من الأنشطة الإنسانية خاصة نتيجة حرق الوقود الحفري (مثل البترول والفحم) سواء في الصناعة أو في وسائل النقل؛ لذلك أدى هذا إلى زيادة نسب تواجد مثل هذه الغازات في الغلاف الجوي عن النسب الطبيعية لها.

تعريف المطر الحمضى



تعريف المطر الحمضى:
يعتبر المطر الحمضى من أخطر المشاكل البيئية التى نواجهها ويؤثر على قطاع كبير فى البيئة. وكما يتضح من الاسم، فالمطر الحمضى هو المطر الذى يكتسب الصفة الحامضية، ويصبح هكذا من الغازات التى تتحلل فى ماء المطر وتكون الأحماض العديدة المختلفة. المطر بطبيعته حامضياً بنسبة ضئيلة بسبب ثانى أكسيد الكربون الذى يخرج من تنفس الحيوانات وينحل فى المطر، والمعامل الذى يقاس به درجة الحامضية للمطر (pH) وقبل الثورة الصناعية نجد أن هذا المعامل فى المطر يتراوح بصفة عامة بين نسبتى (5، 6) لذا نجد أن مصطلح المطر الحمضى يستخدم ليصف فقط المطر الذى يحتوى على (pH) بنسبة (5) وما تحت هذه النسبة. اما المناطق النشطة بالبراكين تكون النسبة النمطية (4) حيث يتحد ثانى أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين ويكونان حمض الكبريتيك فى المطر.
ونستطيع القول بأن " المطر الحمضى" مصطلح عام يطلق على الطرق العديدة التى تسقط  بها الأحماض من الغلاف الجوى، والمصطلح الأكثر دقة له هو "الترسيب  الحمضى" والذى يتكون من جزئين:
1- ترسيب حمضى رطب
(Wet).
2- ترسيب حمضى جاف
(Dry).
ويشير الترسيب الرطب إلى المطر الحمضى والضباب والثلج. وبما أن الماء الحمضى يتدفق فوق ومن خلال سطح الأرض فهو يؤثر على العديد من النباتات والحيوانات ومدى قوة تأثيره يعتمد على العديد من العوامل بما فيها درجة حمضية الماء، كيمياء التربة، نوع الأسماك والأشجار، وكافة الأحياء الأخرى التى تعتمد على الماء.
أما الترسيب الجاف فيشير إلى الغازات الحمضية والجسيمات. وحوالى  نصف الحمضية فى الغلاف الجوى تصل للأرض

من خلال هذه الرواسب الجافة. ثم تقوم الرياح بدورها بحمل هذه الجسيمات الحمضية والغازات وترسيبها على المبانى والسيارات والمنازل والأشجار وبعدها تأتى الأمطار لتغسل هذه الأسطح من أية غازات أو جسيمات تعلق عليها بفعل الرياح، ومن هنا تتحول الأمطار إلى أمطار حمضية بدرجة اكبر من التى تكون عليها الأمطار عندما تتساقط فى البداية بدون أية مؤثرات خارجية.

تأتى دور الرياح مرة أخرى لتعصف بأية رواسب رطبة أو جافة عبر الحدود ومن مكان لآخر، وفى بعض الأحيان لعديد من مئات الأميال. وقد اكتشف العلماء نتائج مؤكدة أن ثانى أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين هما السببين الرئيسيين للمطر الحمضى. وينتج المطر الحمضى عندما تتفاعل هذه الغازات فى الجو مع الماء والأكسجين والعناصر الكيميائية الأخرى لتكون مركبات حمضية عديدة، ويزيد ضوء الشمس من معدل غالبية هذه التفاعلات والنتيجة هو محلول متعادل من حمض الكبريتيك وحمض النتريك.

- كيف يمكن قياس المطر الحمضى (حمضية المطر)؟
- تقاس حمضية المطر باستخدام
(pH) كلما كانت رقم هذا المعامل أقل كلما كانت نسبة الحمضية فى المطر أعلى.
- نسبة
(pH) فى الماء النقى = (7).
- المطر الطبيعى توجد به نسبة حمضية ضئيلة وذلك يرجع إلى تحلل ثانى أكسيد الكربون فيه وتصل النسبة فيه إلى (5.5).
- أما المطر الحمضى الذى توجد به مواد كيميائية بنسبة كبيرة من الممكن ان تصل النسبة إلى اقل من (4).

- الأسباب التى تؤدى إلى تكون المطر الحمضى:
- يتكون هذا المطر كما ذكرنا من قبل بفعل الغازات التى تنحل فى ماء المطر لتكون أنواعاً مختلفة من الأحماض، ومن أنواع هذه الغازات:
- غاز ثانى أكسيد الكبريتيد
2- أكاسيد النيتروجين.
(هذان النوعان لهما الدور الأكبر فى تكوين المطر الحمضى)
3- ثانى أكسيد الكربون.
4- الكلور.

- والتفاعلات الآتية توضح كيفية تكون مثل هذا النوع من الأمطار:
- يتفاعل ثانى أكسيد الكبريتيد مع الماء ليكون حمض الكبريتيك.
- تتفاعل أكاسيد النيتروجين مع الماء لتكون حمض النيتريك.
- يتفاعل ثانى أكسيد الكربون مع الماء ليكون الحامض الكربونى.
- يتفاعل الكلور مع الماء ليكون حمض الهيدروكلوريك.

- تأثير المطر الحمضى:
يؤثر المطر الحمضى بشكل كبير بل وخطير على البيئة بما فيها الإنسان، فالمطر يزيد من حمضية مياه الينابيع والبحيرات، يضر بالتربة والحياة النباتية، يعمل على إتلاف المواد البنائية بل والآثار، كما يضر بصحة الإنسان من خلال التأثير السلبى لهذه الأمطار على البيئة وتتضح هذه العلاقة كلتالى بما أنه توجد العديد من المعادن السامة فى مركبات على سطح التربة يعمل المطر الحمضى عند تساقطه على حل بعضاً من هذه المركبات بحيث تصبح معادن حرة طليقة ويتركز بعضاً منها فى مياه الأنهار التى هى المصدر الأساسى لمياه الشرب لمعظم شعوب العالم، ومن هذه المعادن الزئبق الذى يتخلل الثروة السمكية ومن ثَّم تضر بصحة الإنسان الذى يأكلها.
وبما أن الماء يصبح أكثر حمضية فيبدأ تفاعله مع رصاص ونحاس مواسير المياه وبالتالى تلوث مياه الشرب، وقد وصل تلوث مياه الشرب فى السويد إلى حد مفزع وهو أنه يحول شعر الإنسان إلى اللون الأخضر.
ويسبب أيضاً النحاس الإسهال للأطفال الصغار، ومن الممكن أن يدمر الكبد والكلى.
 















 

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية



الفصل الأول: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خارطة طريق بدفتر تحملات (أسس ومقومات).
جاءت "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي أعلن عنها العاهل المغربي في خطابه السامي ب18 ماي 2005 كخطوة متقدمة في المنظور السياسي من أجل إيجاد حل للمعضلة الاجتماعية التي تتخبط فيها بلادنا. هذه المبادرة التي تعتبر في نظر العديد من المهتمين بمثابة خارطة طريق نحو الدفع بعجلة التنمية المستدامة الشاملة لكافة (أشكال العجز و الإقصاء والتهميش) و إرساء أسس الدولة الحكيمة، بإدماج كافة فعاليات المجتمع كعنصر و "دينامو" و فاعل اجتماعي وسياسي في المجهود التنموي.فما هو إذن السياق العام الذي ظهرت فيه هذه المبادرة؟ و ما هي الأسس و المرتكزات التي تقوم عليها؟ و أيضا ما هي الفلسفة العامة التي تتبناها في معالجة الآفة الاجتماعية؟ وعلى أية آليات ووسائل اعتمدت؟ وكيف كانت ردود ومواقف الفاعلين السياسيين جرائها؟
المبحث الأول : السياق العام.
إذا كانت كل مبادرة سياسية وليدة شروط و ظروف معينة، فإن الإعلان عن "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" لم يأتي اعتباطا أو عفويا بل جاء متفاعلا مع ظرفية سياسية واجتماعية(سواء على المستوى الوطني أو المستوى الدولي) متسمة بالعديد من التقلبات و التطورات المهمة نسوقها فيما يلي.
المطلب الأول : السياق الوطني.
جاء الخطاب الملكي المعلن عن " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" في مناخ وطني يعرف العديد من التطورات والتغيرات تبرز أهم مميزاتها وتجلياتها في:
1ـ مرور سنتين على أحداث 16 ماي الإرهابية التي هزت الدار البيضاء مخلفة وراءها العديد من الضحايا و الأبرياء. و التي كشفت من بين ما كشفت عليه في العمق، مدى العجز الكبير الحاصل على المستوى الاجتماعي، خصوصا و أن جل المنفذين لتلك العمليات الشنيعة ينحدرون من إحدى دور الصفيح البئيسة و المهمشة (حي سيدي مومن).
2ـ صدور التقرير السنوي للبرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة المتعلق بالتنمية البشرية لسنة 2005 واضعا المغرب في الرتبة 124 من بين 177 دولة شملها التصنيف المتعلق بالتنمية البشرية، وهي رتبة لا تشرف بلدا تواق إلى إرساء قوائم وقواعد الدولة الحديثة والديموقراطية، خصوصا و أن التصنيف يضعنا في خانة الثلث الأخير من دول العالم في التنمية البشرية.
3ـ صدور تقرير التنمية الانسانية العربية2004 غير بعيد عن التقرير السابق في تشخيص الهشاشة الاجتماعية بالمغرب. والذي وصف الدول العربية و من بينها المغرب "بالثقب الأسود"، في إحالة على الثقب الأسود الموجود في الفضاء.
4ـ صدور تقرير مكتب الدراسات الأمريكي "ماكنزي" بطلب من المغرب، "كاشف عن وجود عدة عراقيل مازالت تحول دون تطور النشاط الصناعي في
المغرب بصفة خاصة و لتطور الاقتصادي بصفة عامة"، حيث يحتل المغرب حسب التقرير على مستوى التنافسية مراتب جد متدنية مقارنة مع الدول التي لها نفس إمكانيات المغرب الاقتصادية مثل تونس والأردن والسنغال.
ليقر في الأخير أن على المغرب أن يعمل على تجاوز هذه العراقيل حتى لا يتجه نحو الإفلاس الكامل.
5ـ صدور تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني في مطلع شهر أبريل 2005، و الذي اعتبر المغرب مرتعا للإرهاب نتيجة تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد.
6ـ القرير الأمريكي الذي صدر هو الآخر في متم شهر أبريل 2005 و الذي حذر من تأثير عوامل الفقر و البطالة في انتشار ظاهرة > و مدى تأثيرها على استحقاقات 2007.
7ـ تحذيرات البنك الدولي المتتالية من حدوث توترات اجتماعية بسبب الفقر والتهميش، في حالة عدم تسريع النمو الاقتصادي و خلق مناصب شغل في غضون العشرية القادمة، كما أشاد التقرير على أن خلق مناصب الشغل للشباب والساكنة النشيطة يستدعي تسريع النمو الاقتصادي وتكثيف المجهودات من أجل تسهيل وصول الفقراء و المهمشين إلى الخدمات والفرص المتاحة. كما كشف التقرير على أن 15% من عدد السكان تعتبر من عداد الفقراء، مشيرا على أن الثلث منها يقبع بالعالم القروي، ومؤكدا على أن عدد الفقراء في تزايد مستمر، قد يصل مع متم 2011 إلى ضعف ما هو عليه الآن.
8ـ وفي ذات السياق دخلت على الخط العديد من الأحداث المتفرقة التي شهدتها عدة مناطق بالمملكة تتوزع مابين الشمال و الجنوب( تامسينت،طاطا،وسيدي إفني بالاضافة إلى بعض المداشر..) و التي عرفت احتجاجات وتظاهرات ضخمة للمطالبة بالماء الصالح للشرب و تحسين ظروف العيش. بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الطقوس الاحتجاجية اليومية للأطر المعطلة ، هذا فضلا عن الجفاف الذي ظرب كسادا على معظم مناطق المملكة، مما دفع إلى الرفع من درجة الانذار بالخطر.
9ـ كما أن المبادرة جاءت في سياق يكشف في العمق عن المكانة المتقدة للمسألة الاجتماعية في أجندة الحكم على اعتبار أنها أضحت منذ سنة1999 ضمن مجالات> إلى جانب المسألة الحقوقية و النهوض بأوضاع المرأة و تدبير مسألة التعدد الثقافي و اللغوي، بالإضافة إلى سلسلة الإصلاحات القانونية التي دشنها المغرب في السنتين الأخيرتين.
إذن كل هذه العوامل وعوامل أخرى ساهمت على المستوى الوطني من قريب ومن بعيد في دفع الدولة إلى إعادة النظر في سياستها التنموية وفي مقاربتها للوضعية الاجتماعية.فمحاربة الإرهاب و عوامله لا يمكن أن يقتصر فقط على المقاربة الأمنية وحدها، و الآفات الاجتماعية لا يمكن معالجتها إلا عبر تصحيح الاختلالت التي تطفو على المستوى الاجتماعي و اجتثاثها من جذورها، هذا بالنسبة للسياق الوطني.
المطلب الثاني : السياق الدولي.
أما على مستوى السياق الدولي فقد صادف الإعلان عن المبادرة مناخ دولي دولي من تحديداته وتجلياته:
1ـ التزام الدولي ببنود عدة اتفاقيات دولية ومصادقته عليها، والتي تحث في مجملها على دور التنمية على دور التنمية البشرية و التنمية البيئية في إحلال الاستقرار و إرساء دعائم الدولة الحديثة و المتقدمة.
2ـ بروز مفهوم "التنمية البشرية وهيمنة قيم التنمية والموارد البشرية على الخطاب العالمي"(1) و مدى انعكاسها على وتيرة تقدم المجتمعات ورقيها و معالجتها لإختلالاتها الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية.
3ـ صدور تقرير البنك الدولي عن التنمية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، و حثه على ترسيخ مفهوم الحكامة الجيدة لاعتباره أن "الحكم الجيد الذي تعمل المؤسسات العامة فيه بصورة متجاوزة وشفافة هو أساس التقليص من معدلات الفقر و حفز النمو وقد أظهرت دراسات عديدة أن الحكم الرديء يؤدي إلى تباطؤ النمو، و إلى خدمات قليلة الفعالية و إلى تفويت الفرص للتنمية البشرية بسبب مشاركة الموظفين المحدودة في صنع مستقبلهم".
4ـ اتجاه مجتمعات الألفية الثالثة التي عقدت مؤتمرها خلال السنة الماضية بنيويورك، نحو تشييد مجتمعات المعرفة والإعلام، من أبرز توصياته التي خلص إليها، تعميم التعليم و الإنقاص من حدة الأمية بالبلدان المتخلفة إضافة إلى نشر قيم المعرفة و التقنية المعلوميتين.
5ـ إنشاء منتدى المستقبل ـ الذي عقد مؤتمره الأول بالمغرب ـ من أبرز شعاراته" من أجل تنمية مستدامة و عادلة بمنطقة الشرق الأوسط الكبير"، وهو مشروع يهدف إلى ضخ دم التنمية ومحدداتها بشريين البلدان التي تندرج ضمن هذا الأخير، عن طريق تشجيع الاستثمارات و المنافسة الاقتصادية و توطيد دور فعاليات المجتمع المدني في عملية التنمية المحلية.
6ـ كما ساهمت تحديات الشراكة الاقتصادية والأسواق الحرة المقبل عليها المغرب مع العديد من التكتلات الاقتصادية، في التعجيل بالوقوف على الوضعية الاجتماعية و الاقتصادية حتى تكون بلادنا بمستوى هذه الرهانات و التحديات.
7ـ كما أن منطق العولمة و آلياتها التي أصبحت تتحكم في تسيير دواليب العالم على كافة مستوياته، أصبح يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى بناء دول ذي مقومات و ثوابت حديثة ومتينة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حتى يتسنى لها أن تكون فاعلة بدورها في هذه المنظومة الكونية التي لا ترحم أحدا من المتخلفين عن قوانينها.
كل هذه العوامل وتلك بدت واضحة و جلية في الخطاب الملكي ل18 ماي،2005 فمعالجة الأزمة الاجتماعية و القضاء على البطالة و التهميش و الفقر والحرمان و تبعاتهم، أكيد يحتاج إلى سياسة حكيمة و عزيمة مبيتة، منفتحة على كافة شرائح المجتمع بمختلف مستوياته، تأخذ في اعتبارها الإكراهات والتحديات و العوامل الداخلية والخارجية.
ظهور مصطلح التنمية البشرية
في العقد الأخير من القرن الماضي تنامي الوعي بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة، وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة. وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان والذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح. لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان.
فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره وخاصة منذ التسعينات، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر وترسيخ هذا المصطلح.
ما هي التنمية البشرية؟
إن مصطلح التنمية البشرية يؤكد على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرخاء للمجتمع، وما التنمية البشرية إلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.
إن مفهوم التنمية البشرية هو مفهوم مركب من جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات. والتنمية البشرية هي عملية أو عمليات تحدث نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على هذا الكوكب.
والتنمية البشرية المركبة تستدعي النظر إلى الإنسان هدفا في حد ذاته حين تتضمن كينونته والوفاء بحاجته الإنسانية في النمو والنضج والإعداد للحياة .إن الإنسان هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها. إن هدف التنمية تعنى تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية، واتجاهاته الفكرية والعلمية والثقافية.
إن مفهوم التنمية البشرية مركب يشمل مجموعة من المكونات والمضامين تتداخل وتتفاعل في عملياته ونتائجه جملة من العوامل والمدخلات والسياقات المجتمعة وأهمها: عوامل الإنتاج، والسياسة الاقتصادية والمالية، مقومات التنظيم السياسي ومجالاته، علاقات التركيب المجتمعي بين مختلف شرائحه، مصادر السلطة والثروة ومعايير تملكها وتوزيعها، القيم الثقافية المرتبطة بالفكر الديني والاقتصادي، القيم الحافزة للعمل والإنماء والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد أداةً للتقدم والتنمية. وهكذا يمكن القول أن للتنمية البشرية بعدين..
 البعد الأول
§ يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، المهارية، الروحانية ....
 أما البعد الثاني فهو أن
§ التنمية البشرية عملية تتصل باستثمار الموارد والمدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشرية عن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل و البنية المؤسسية التي تتيح المشاركة والانتفاع بمختلف القدرات لدى كل الناس.
من منّا لا يريد تحقيق النجاح و السعادة؟ بالطبع كل منّا له طموحاته و أحلامه الخاصة في مجال الحياة الروحانية، الأسرية، الاجتماعية، والمهنية.
التنمية البشرية هي السبيل للتقدم بخطوات واثقة مدروسة نحو تحديد وتحقيق أهدافك. فلكي تحقق السعادة يجب أن تنمي الجوانب السبعة لشخصيتك.
تعرف على الجوانب السبعة للتنمية الذاتية
لكي تحقق السعادة و النجاح فعليك أن تهتم بتنمية كل من هذه الجوانب في حياتك:
الجانب الإيماني والروحاني
الجانب الصحي والبدني الجانب الشخصي الجانب الأسري  الجانب الاجتماعي الجانب المهني الجانب المادي وتحقيق الاستقرار في كل من هذه الجوانب يشكل ركنا رئيسيا في تحقيق النجاح والاستقرار
الأبعاد البشرية
1 – تثبيت النمو الديموغرافي
وتعني التنمية المستدامة فيما بالأبعاد البشرية العمل على تحقيق تقدم كبير في سبيل تثبيت نمو السكان، وهو أمر بدأ يكتسي أهمية بالغة، ليس لأن النمو المستمر للسكان لفترة طويلة وبمعدلات شبيهة بالمعدلات الحالية أصبح أمرا مستحيلا استحالة واضحة فقط، بل كذلك لأن النمو السريع يحدث ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات على توفير الخدمات. كما أن النمو السريع للسكان في بلد أو منطقة ما يحد من التنمية، ويقلص من قاعدة الموارد الطبيعية المتاحة لإعالة كل ساكن .
2 – مكانة الحجم النهائي للسكان
وللحجم النهائي الذي يصل إليه السكان في الكرة الأرضية أهميته أيضا، لأن حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة بدقة. وتوحي الإسقاطات الحالية، في ضوء الاتجاهات الحاضرة للخصوبة، بأن عدد سكان العالم سيستقر عند حوالي 11,6 مليار نسمة، وهو أكثر من ضعف عدد السكان الحاليين. وضغط السكان، حتى بالمستويات الحالية، هو عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى؛ لأن نمو السكان يؤدي بهم إلى الأراضي الحدية، أو يتعين عليهم الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
3 – أهمية توزيع السكان
كما أن لتوزيع السكان أهميته: فالاتجاهات الحالية نحو توسيع المناطق الحضرية، ولاسيما تطور المدن الكبيرة لها عواقب بيئية ضخمة. فالمدن تقوم بتركيز النفايات والمواد الملوثة فتتسبب في كثير من الأحيان في أوضاع لها خطورتها على الناس وتدمر النظم الطبيعية المحيطة بها. ومن هنا، فإن التنمية المستدامة تعني النهوض بالتنمية القروية النشيطة للمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن، وتعني اتخاذ تدابير سياسية خاصة من قبيل اعتماد الإصلاح الزراعي واعتماد تكنولوجيات تؤدي إلى التقليص إلى الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر.
4 – الاستخدام الكامل للموارد البشرية
كما تنطوي التنمية المستدامة على استخدام الموارد البشرية استخداما كاملا، وذلك بتحسين التعليم والخدمات الصحية ومحاربة الجوع. ومن المهم بصورة خاصة أن تصل الخدمات الأساسية إلى الذين يعيشون في فقر مطلق أو في المناطق النائية؛ ومن هنا فإن التنمية المستدامة تعني إعادة توجيه الموارد أو إعادة تخصيصها لضمان الوفاء أولا بالاحتياجات البشرية الأساسية مثل تعلم القراءة والكتابة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، والمياه النظيفة. والتنمية المستدامة تعني –فيما وراء الاحتياجات الأساسية- تحسين الرفاه الاجتماعي، وحماية التنوع الثقافي، والاستثمار في رأس المال البشري- بتدريب المربين والعاملين في الرعاية الصحية والفنيين والعلماء وغيرهم من المتخصصين الذين تدعو إليهم الحاجة لاستمرار التنمية.
 

الانترنيت في خدمة التعليم والثقافة © 2011 - تصميم Mukund | شروط الخدمة | سياسة الخصوصية | خريطة الموقع

من نحن | اتصل بنا | اكتب لنا