Affichage des articles dont le libellé est عرض. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est عرض. Afficher tous les articles

المنهج الإسلامي في مكافحة الخمر والمخدرات



معالم المنهج الإسلامي في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية منها
بعد هذا العرض نصل إلى محاولة استخلاص أهم معالم المنهج الإسلامي وخطته في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية من أضرارها المختلفة، ومن الواضح أنه منهج يندرج في النسق العام لفلسفة الإسلام الشاملة في التربية والتغيير وإعادة تشكيل الأفراد والمجتمع وفق المنظور الإسلامي المتميز.
إن معالجة الإسلام لموضوع الخمر والمخدرات كانت عبارة عن مخطط محكم، برنامج عمل طويل الأمد، منح لنفسه ما يكفي من الوقت، وجند لإنجازه وإنجاحه مختلف الوسائل المتوفرة، فاتحدت إلى جانبه الإرادات الفردية والاجتماعية والتشريعية والسياسية، تدعمه وتسانده، وتسهر على تنفيذه، وتحرص على إنجاحه، ومن أهم تلك الجوانب التي شملها هذا المخطط ما يلي :
 الجانب الفردي : حيث وقع التركيز في المعالجة والوقاية بالدرجة الأولى على الأفراد، على الإنسان، على تغيير ما بنفسه من أجل تغيير حاله وواقعه، ولذلك كانت الركيزة الأولى هي بناء الأساس العقدي النفسي عند الإنسان، ودعم مناعته النفسية عن طريق تقوية إيمانه، وتعزيز تشبثه بتعاليم الإسلام، وتحسيسه بأهمية الاندماج في مجتمعه المسلم، وبضرورة الحفاظ على نفسه وصحته من الهلاك.
وكان أسلوب المعالجة متنوعاً فيه ترغيب وترهيب، وفيه وعد ووعيد، وفيه نصح وإرشاد وتوجيه، وفيه أيضاً تلطف بالعاصي المخالف وتحفيز له على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وإلى أحضان المجتمع ليتخلص بسرعة من ذنبه ومن آثار زلته، أسلوب يخاطب العقل ويقنعه بالحجة والبرهان، ويستميل العاطفة بالرفق وبالتي هي أحسن.
 الجانب الاجتماعي : من أهم عوامل نجاح هذا المنهج أن توفرت له "الإرادة الاجتماعية" أي اتفاق الجميع على قبوله واتباعه، ومساهمتهم الفعالة في تنفيذه وتطبيقه. وقد تجلى ذلك في الاستجابة الفورية لتطبيق أمر الله ورسوله في تحريم تعاطي الخمر والتعامل بها، وفي إتلافها وإزالة آثارها من الحياة الاجتماعية للمسلمين، كما تتجلى في تعزيز حملة مكافحة الخمر عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما ساعد على تقوية المناعة الاجتماعية ضد أي مخالفة لأوامر الله في الخمر والمسكرات.
 الجانب التشريعي والتنفيذي : كانت الإرادة التشريعية الإسلامية واضحة صريحة حازمة في تحريم الخمر والمخدرات، وهو ما يظهر من خلال مجموعة النصوص (آيات قرآنية، أحاديث نبوية، فتاوى فقهية) التي صدرت بشأن تعاطي الخمر والمخدرات، والمتاجرة فيها، والتعامل بها، والتحذير من أضرارها ومخاطرها. وإلى جانب هذه الإرادة التشريعية، كانت هناك الإرادة السياسية التنفيذية، بخاصة في عهد النبوة والخلافة الراشدة، حيث أظهر الرسول صلى الله عليه و سلم    وصحابته الكرام حزماً وعزماً أكيدين في تنفيذ حكم الله في الخمر والمسكرات، وتخليص المسلمين والأمة الإسلامية منها ومن آثارها المدمرة.

المفسدات الحسية:
وهي التي تؤدي إلى الإخلال بالعقل، بحيث يصبح الإنسان كالمجنون، وهذه المفسدات هي: الخمور والمخدرات وما شابهها.
وقد جاء تحريم ذلك في كتاب الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:91).
كما ورد تحريمها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات، وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة" (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". (متفق عليه)
أي إنه حين يشربها يرتفع عنه إيمانه، كما قال بذلك بعض أهل العلم. وكذلك لعن كل من يمت للخمر بصلة في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها". (صحيح الجامع).
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذريعة وسبب قد يؤدي إلى تناولها، وذلك من التدابير الوقائية، فنهى عن الجلوس على مائدة يدار فيها الخمر، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر".
وكذلك حرم التداوي بالخمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس بدواء ، ولكنه داء" (صحيح الجامع) وذلك تحرزاً من الاعتياد عليها من مبدأ التداوي بها. لذلك قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".(صحيح الجامع)
وقد أجمع الفقهاء الذين ظهرت في عصورهم هذه الآفة على تحريمها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الحشيشة الملعونة المسكرة، فهي بمنزلة غيرها من المسكرات، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً". (مجموع الفتاوى ج 34 ص 204).
ولا يشك عاقل في ضرر المسكرات والمخدرات على العقل وإفسادها له ، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الخمر ما خامر العقل" أي غطاه.
وتغطية العقل تؤدي إلى فساد تصرف الإنسان؛ فيخرج بأفعاله عن المألوف؛ وكلامه عن المعروف؛ فالخمر مفتاح كل شر كما قال بذلك النبي صلى الله عليه وسلم "لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر" (صحيح الجامع).
فشرها وشؤمها لا يقتصر على صاحبها فحسب، بل يتعدى إلى الغير، ويجر متناولها إلى ارتكاب منكرات ومفاسد كثيرة في الناس، فهي أعظم أسباب التعدي على الضرورات الخمس، التي جاءت الشريعة بحمايتها وحفظها، فكم حصل بسببها سفك للدماء المحرمة، وانتهاك للأعراض وإتلاف للأموال، وإفساد للعقول وتفويت لمصالح الدين وتضييع لأمانات الحقوق والمعاملات التي شملها مفهوم الأمانة الواسع الذي هو كل ما في عهدة الإنسان من أمور حسية ومعنوية من حقوق ومعاملات ونعم وغيرها.
ومن المناسب أن نذكر هنا قصة وردت في السنة تكشف تعدي خطر الخمر على الحقوق والضرورات.. فقد روى النسائي بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد، فعلقته - أي أحبته وعشقته - امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية ـ أي إناء خمر- فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمر كأساً، أو تقتل هذا الغلام، فقال: فاسقيني من هذا الخمر كأساً، فقال: زيدوني، فلم يدم حتى وقع عليها، وقتل النفس.. فاجتنبوا الخمر؛ فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا يوشك أن يخرج أحدهما الآخر".
وقد بينت إحصائيات الأمن العالمية أن الصلة وثيقة بين السُكْر وبين القتل، والضرب والجرح ، الجرائم الجنسية والحريق والجرائم غير العمدية كحوادث السيارات مثلاً.
ومن سلبيات المخدرات الشنيعة أنها سبب في تشتيت الحياة العائلية؛ فتصبح حياة المؤمن الزوجية جحيماً لا يطاق، فهو مهمل لبيته وزوجته وأولاده مهين لهم، تزداد عنده حالة الشك والريبة في كل من حوله.
والآن لماذا تعاطي هذه القنابل الذرية المدمرة للذات والعقل والروح؟ وقد بينت الإحصائيات أن أكثر من دمرت هذه القنابل فئة الشباب الذين هم قوة الشعوب وطاقتها حيث يبلغ نسبتهم حوالي70% من مجموع أعداد المدمنين.
ومما يدفع إلى تعاطيها - وخاصة فئة الشباب - عدة أسباب رئيسية نستطيع أن نجملها في أمور منها:
1ـ اتفق المصلحون على أن ضعف الإيمان وغياب الوازع الديني سبب رئيسي لانتشار المخدرات، وذلك الأمر يعود إلى ضعف التربية الإيمانية وغياب التوعية الدينية من قبل الآباء لأبنائهم وإهمال إنشاء الحصانة العقيدية والفكرية التي تغرس في قلب الناشئ معرفة الله تعالى  ومراقبته واستشعار معيته وعظمته، حتى تتعلق قلوبهم وأرواحهم بالله تعالى خوفاً ورجاءً؛ فتكون جميع حركاتهم وسكناتهم السرية والعلنية موافقة لمنهج الله تعالى لإحساسهم الدائم بمراقبته وإحصائه لأعمالهم وأنهم مجزيون بها عائدة عليهم تبعتها كما قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (النجم: من الآية31). وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى*  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} (النجم:41) .
والمواصلة معهم على المنهج التربوي الإيماني والتركيز عليه، وبهذا المنهج تربى الطفل في عصر النبوة تربية راسخة، جعلته قوة فعالة ثابتة، وروحاً تقية نقية، في أمثلة واقعية تفوق الخيال، فلا يكاد يفرق بين الرجل الكبير والطفل الصغير؛ فالكل كبار بأفعالهم الحميدة.
2- الانفتاح المادي مقابل التوسع الإعلامي أحدث تيارات من الفتن والمغريات الجارفة، قل صبر فئات كثير من الناس أمامها، فانغمسوا فيها، ونسوا كثيراً مما ذكروا به، وغفلوا عن أوامر ربهم، وما رتب عليها من الجزاء، فغلبت الشهوات وضعف الدين، وتنكب كثير من المسلمين عن صراط الله المستقيم.
3ـ ومن أسباب انتشار المخدرات: تفكك المجتمع والروابط الأسرية وعدم وجود الروابط الاجتماعية المتنوعة، إذ إن الحياة العصرية الحديثة اتسمت بالجري الدائم وراء المزيد وتحقيق المصالح الشخصية، الأب يريد أن يزيد دخله ويرفع مدخراته، والأم تسعى لإبراز وجودها الاجتماعي- وما يتطلبه ذلك من مظاهر- وكذلك استغلال دخلها المادي، والأبناء لهم مطالب في مجاراة أترابهم وأبناء عصرهم الذين بهرهم بريق الحضارة الغربية، بما تحمله من ضلال وفساد، فكان من جراء ذلك التقليد الأعمى، والتطبيق لما يرد عليهم من هناك تحت مسميات وشعارات "الموضة والترفيه" وأحياناً باسم التقدم والتطور وأوهام الحرية المزعومة، فتشكل من ذلك كله ضعف الترابط الأسري، واتساع الفجوة بين الآباء والأبناء وصعوبة التفاهم بينهم، فانتقل هذا التيار المدمر من بلاد الغرب إلى البلاد العربية والإسلامية، فأدى إلى اضطرابات نفسية وقلاقل اجتماعية وجدب عاطفي، دفع الكثير من الشباب إلى تناول المسكرات والمخدرات كحل ومهرب من هذه الضغوط.
وتحت هذا السبب أيضاً، فإن الشاب قد يصل إلى مرحلة متطورة من الإدمان دون أن يشعر أفراد البيت ببوادر تناوله للمخدرات الواضحة، وما ذلك إلا لغياب دور الرقيب من قبل الآباء والأمهات وإهمال متابعة الأبناء والجلوس والحديث معهم عن قرب بصورة دائمة لكثرة الارتباطات والعلاقات وازدحام الأشغال.
4ـ وهذا السبب يمكن أن يلحق بالسبب السابق، ألا وهو أصحاب السوء وهم من أهم أسباب انتشار المخدرات؛ فيندفع الشاب حيال ضغوط الأصحاب وإغراءاتهم إلى أن يجرب بعض الخمور والمخدرات، كما يدفعه إلى ذلك عوامل عديدة من بينها: البحث عن اللذة والعابرة، وتجريب الجديد، وإشباع الفضول وحب المغامرة، وإثارة التقليد.
ومن المعلوم ما للقرناء من تأثير قوي على الإنسان، سواء السلبي منه والإيجابي، فإن دائرة التأثير ستتناول الصاحب سواءً رغب أم لم يرغب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".(رواه أبوداود والترمذي عن أبي هريرة وحسنه الألباني)
5ـ إن هناك سبباً لا يمكن إغفاله؛ لأنه له دور خطير في ترويج المخدرات وإبراز أساليب نقلها وانتشارها وتناولها، ألا وهو وسائل الإعلام.. يقول أحد الأطباء المختصين بعلاج الإدمان: "قد ظهر واضحاً لنا أن من أهم عوامل إقبال الشباب على إدمان المخدرات، هو التقليد الأعمى لما يشاهدونه في الأفلام سواءً كانوا في العالم الغربي أم في العالم العربي، وما يشيعونه من تقليعات يقلدها الشاب".
ومن ذلك ظهور الممثل وهو يتعاطى المخدرات - خاصة إذا كان هو بطل القصة - فإن هذا يعد من أنجح أساليب دفع الأطفال والشباب إلى تقليدهم، وكذلك ما يصور في تلك الأفلام من أساليب ووسائل ماكرة لترويجه ونقله من مكان إلى آخر، وطرق بيعه وشرائه والحصول عليه، ونحو ذلك مما يسهل عملية التطبيق ويفتح أبواباً لحركة الترويج.
6ـ ومن الأسباب المساعدة على انتشار المخدرات: الفراغ والملل الذي يرجع إلى عدم معرفة الهدف الصحيح والغاية من الحياة، وعدم وجود التصور الواضح للواجبات والمسؤوليات، ويعد الفراغ ووفرة الوقت لدى الناس ـ والشباب بصفة خاصة ـ مشكلة من المشاكل الكبيرة التي يعانون منها، فإن كثيراً من مظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة ـ ومنها المخدرات ـ كان الفراغ من أهم الأسباب الدافعة إليها، إذ أن وفرة الوقت دون عمل يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية والأفكار والهواجس النفسية الخطيرة مما لا يمكن أن يحصل له أثناء الانشغال بعمل ما.
وتزداد ساعات الفراغ عند الشباب خاصة لتصل إلى أكثر من 7 ساعات في الإجازات، وهذا الأمر يدعو لمزيد من القلق والحذر وأخذ الحيطة من الأخطار التي يمكن أن يقع فيها هذا الشباب المندفع دون هدف أو تخطيط أو برمجة.
فتظل مشكلة استثمار أوقات الفراغ لشبابنا، بطرق ووسائل وأساليب إيجابية هدفاً يجب أن يسعى الجميع إلى تحقيقه، وذلك من أبرز الطرق الوقائية والفعالة في مجال مكافحة تعاطي المخدرات، كما نوصي الآباء بالاهتمام بإشغال وقت فراغ أبنائهم من خلال التفرغ للجلوس والحديث معهم وربطهم بالنشاطات العلمية والبرامج الثقافية والرياضية المختلفة، ووضع هذه النشاطات في جداول زمنية منظمة تكفل شغل كامل يوم الابن دون ثغرات.
إذن ما هو الحل؟
بعد هذا الاستعراض لمشكلة المخدرات من المنظور الشرعي وأسباب انتشارها يتساءل كل عاقل غيور ما الحل إذن؟
نقول: الإسلام هو الحل الوحيد الذي يقدم حلاً شمولياً جذرياً لهذه المشاكل؛ ذلك لأن الإسلام يعالج المشكلة من جذورها، وأهم جذورها هو المستهلك، وهو الشخص القابل لتناول المخدرات، الشخص الذي ضعف إيمانه، وأمام أي مشكلة يجد نفسه مرتاعاً قلقاً مضطرباً يبحث عن مهرب في جرعة يتناولها تنسيه لحظتها همومه، ثم يعقبها بعد ذلك هموم وحسرات لا تنتهي إلى الأبد.
إن تطبيق الإسلام الصحيح في كافة مناحي الحياة يشمل الفرد والمجتمع، يؤدي إلى  تجفيف منابع الشر والتشتيت، فالمجتمع الإسلامي الحقيقي مجتمع مترابط متكافل يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، وهو كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
إن تطبيق الإسلام بإيمانياته وسلوكياته، يعطي المؤمن شعوراً بالرضا والسعادة؛ لأنه على صلة بالله في ليله ويومه، إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته نعماء شكر، وأمره كله خير، إذا نزلت عليه مصيبة لجأ إلى مولاه وبارئه متوكلاً عليه، معتمداً على كرمه، فهو في سعادة حتى يقول قائلهم وهو في تلك اللحظات الروحية: "لو كان أهل الجنة عيشهم كعيشي؛ إنهم إذن لفي عيش طيب".!
كل ذلك ممكن أن يصيغه الإسلام الصحيح والإيمان العميق، بل أكثر من ذلك، فهو الحل لمئات المشاكل والانحرافات الأخرى، ولكن بشرط واحد: أن ينفذ الإسلام على الوجه الصحيح جملة واحدة، ولا يجزأ فيقبل منه جزء ويترك جزء ويطبق أمر ويترك آخر، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: من الآية208). أي في الإسلام المأمور به كله بجزئياته وتفضيلاته.
لنستمع لهذه القصة التي يظهر فيها قوة الاستجابة عند المؤمن دون الحاجة إلى رقيب، فالرقيب في النفس، والله حاضر شاهد.. أخرج الأمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي دجانة، ومعاذ بن جبل، وسهل بن ياء حتى مالت رؤوسهم من خليط بر وتمر، فسمعت مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90). وفي موقف آخر: فعندما سمعوا الأمر {فهل أنتم منتهون} قالوا انتهينا ربنا، انتهينا ربنا.
تلك هي ثمرة الإيمان، ولا بد أولاً من غرس بذرة الإيمان حتى نقطف ثمارها، ولن يجدينا كثيراَ ـ إذا فقدنا الإيمان الرادع ـ أن نوضح بالأرقام والعلوم والطب وكل وسائل الإعلام أضرار الخمر والمخدرات، لن يجدينا ذلك مع فقد الإيمان، من ذلك أيضاً الشقاء والتعاسة الذي تعيشه الإنسانية اليوم لا حل آخر لها غير الإسلام وتحقيق اللجأ إليه وتوثيق الصلة به سبحانه قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:126) .
ولا نقول كقول القائل: تلك أمة قد خلت؛ بل إن هذه المواقف الإيمانية والاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم قائمة ماثلة أمام أعيننا في هذا العصر، بل قد تصل إلى المعجزات الباهرة التي أعجزت جميع القوى البشرية، ومن ذلك تحول بعض نزلاء السجون الأمريكيين ومدمني المخدرات إلى الطهارة والنقاء بعد أن قذف الله في قلوبهم نور الإيمان ودخلوا في دين الله أفواجاً حتى شكلوا بأحد سجون واشنطن نسبة 23% من مجموع المسجونين.
ثم لا يفوتني هنا أن أركز على دور البيت كحل وقائي دون انغماس الأبناء في الرذائل والانحرافات المختلفة، فالواجب على الآباء والأمهات أن يكونوا  قائمين على البيوت بالمتابعة والمراقبة مغلقين دون أبنائهم أبواب الفساد، فوجودهم الصالح في البيوت وإيجاد المناخ الإسلامي أعظم سبب للإصلاح ـ بعد توفيق الله - كما أن غيابهم وذهاب سلطانهم في البيوت من أعظم أسباب الانحراف والتشتت.
إن مسؤوليتهم في هذا الجانب تتمثل في توعية الأبناء بأخطار المخدرات، وطبيعة انتشارها، وجلوسهم معهم من وقت لآخر ليزودوهم بالمعلومات التي تبرز هذا الأمر ونهاياته التعيسة وتزويدهم بالإحصائيات المروعة في ذلك، وقفل كل باب يمكن أن يؤدي إلى تعاطي المخدرات وأهمه: رفقاء السوء، والأفلام التي تمجد وتعظم متعاطي المخدرات، وحماية الشباب من السفر لبلاد الخارج حيث تنتشر المخدرات والمسكرات بصورة أكبر وعلى جميع المستويات، هذا ما يمكن إجماله في أسباب الوقاية وحلول العلاج من هذه السموم القاتلة.
سائلين المولى الكريم أن يقينا وجميع المسلمين من شرورها، ويعصمنا من كل سوء، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية



الفصل الأول: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خارطة طريق بدفتر تحملات (أسس ومقومات).
جاءت "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي أعلن عنها العاهل المغربي في خطابه السامي ب18 ماي 2005 كخطوة متقدمة في المنظور السياسي من أجل إيجاد حل للمعضلة الاجتماعية التي تتخبط فيها بلادنا. هذه المبادرة التي تعتبر في نظر العديد من المهتمين بمثابة خارطة طريق نحو الدفع بعجلة التنمية المستدامة الشاملة لكافة (أشكال العجز و الإقصاء والتهميش) و إرساء أسس الدولة الحكيمة، بإدماج كافة فعاليات المجتمع كعنصر و "دينامو" و فاعل اجتماعي وسياسي في المجهود التنموي.فما هو إذن السياق العام الذي ظهرت فيه هذه المبادرة؟ و ما هي الأسس و المرتكزات التي تقوم عليها؟ و أيضا ما هي الفلسفة العامة التي تتبناها في معالجة الآفة الاجتماعية؟ وعلى أية آليات ووسائل اعتمدت؟ وكيف كانت ردود ومواقف الفاعلين السياسيين جرائها؟
المبحث الأول : السياق العام.
إذا كانت كل مبادرة سياسية وليدة شروط و ظروف معينة، فإن الإعلان عن "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" لم يأتي اعتباطا أو عفويا بل جاء متفاعلا مع ظرفية سياسية واجتماعية(سواء على المستوى الوطني أو المستوى الدولي) متسمة بالعديد من التقلبات و التطورات المهمة نسوقها فيما يلي.
المطلب الأول : السياق الوطني.
جاء الخطاب الملكي المعلن عن " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" في مناخ وطني يعرف العديد من التطورات والتغيرات تبرز أهم مميزاتها وتجلياتها في:
1ـ مرور سنتين على أحداث 16 ماي الإرهابية التي هزت الدار البيضاء مخلفة وراءها العديد من الضحايا و الأبرياء. و التي كشفت من بين ما كشفت عليه في العمق، مدى العجز الكبير الحاصل على المستوى الاجتماعي، خصوصا و أن جل المنفذين لتلك العمليات الشنيعة ينحدرون من إحدى دور الصفيح البئيسة و المهمشة (حي سيدي مومن).
2ـ صدور التقرير السنوي للبرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة المتعلق بالتنمية البشرية لسنة 2005 واضعا المغرب في الرتبة 124 من بين 177 دولة شملها التصنيف المتعلق بالتنمية البشرية، وهي رتبة لا تشرف بلدا تواق إلى إرساء قوائم وقواعد الدولة الحديثة والديموقراطية، خصوصا و أن التصنيف يضعنا في خانة الثلث الأخير من دول العالم في التنمية البشرية.
3ـ صدور تقرير التنمية الانسانية العربية2004 غير بعيد عن التقرير السابق في تشخيص الهشاشة الاجتماعية بالمغرب. والذي وصف الدول العربية و من بينها المغرب "بالثقب الأسود"، في إحالة على الثقب الأسود الموجود في الفضاء.
4ـ صدور تقرير مكتب الدراسات الأمريكي "ماكنزي" بطلب من المغرب، "كاشف عن وجود عدة عراقيل مازالت تحول دون تطور النشاط الصناعي في
المغرب بصفة خاصة و لتطور الاقتصادي بصفة عامة"، حيث يحتل المغرب حسب التقرير على مستوى التنافسية مراتب جد متدنية مقارنة مع الدول التي لها نفس إمكانيات المغرب الاقتصادية مثل تونس والأردن والسنغال.
ليقر في الأخير أن على المغرب أن يعمل على تجاوز هذه العراقيل حتى لا يتجه نحو الإفلاس الكامل.
5ـ صدور تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني في مطلع شهر أبريل 2005، و الذي اعتبر المغرب مرتعا للإرهاب نتيجة تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد.
6ـ القرير الأمريكي الذي صدر هو الآخر في متم شهر أبريل 2005 و الذي حذر من تأثير عوامل الفقر و البطالة في انتشار ظاهرة > و مدى تأثيرها على استحقاقات 2007.
7ـ تحذيرات البنك الدولي المتتالية من حدوث توترات اجتماعية بسبب الفقر والتهميش، في حالة عدم تسريع النمو الاقتصادي و خلق مناصب شغل في غضون العشرية القادمة، كما أشاد التقرير على أن خلق مناصب الشغل للشباب والساكنة النشيطة يستدعي تسريع النمو الاقتصادي وتكثيف المجهودات من أجل تسهيل وصول الفقراء و المهمشين إلى الخدمات والفرص المتاحة. كما كشف التقرير على أن 15% من عدد السكان تعتبر من عداد الفقراء، مشيرا على أن الثلث منها يقبع بالعالم القروي، ومؤكدا على أن عدد الفقراء في تزايد مستمر، قد يصل مع متم 2011 إلى ضعف ما هو عليه الآن.
8ـ وفي ذات السياق دخلت على الخط العديد من الأحداث المتفرقة التي شهدتها عدة مناطق بالمملكة تتوزع مابين الشمال و الجنوب( تامسينت،طاطا،وسيدي إفني بالاضافة إلى بعض المداشر..) و التي عرفت احتجاجات وتظاهرات ضخمة للمطالبة بالماء الصالح للشرب و تحسين ظروف العيش. بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الطقوس الاحتجاجية اليومية للأطر المعطلة ، هذا فضلا عن الجفاف الذي ظرب كسادا على معظم مناطق المملكة، مما دفع إلى الرفع من درجة الانذار بالخطر.
9ـ كما أن المبادرة جاءت في سياق يكشف في العمق عن المكانة المتقدة للمسألة الاجتماعية في أجندة الحكم على اعتبار أنها أضحت منذ سنة1999 ضمن مجالات> إلى جانب المسألة الحقوقية و النهوض بأوضاع المرأة و تدبير مسألة التعدد الثقافي و اللغوي، بالإضافة إلى سلسلة الإصلاحات القانونية التي دشنها المغرب في السنتين الأخيرتين.
إذن كل هذه العوامل وعوامل أخرى ساهمت على المستوى الوطني من قريب ومن بعيد في دفع الدولة إلى إعادة النظر في سياستها التنموية وفي مقاربتها للوضعية الاجتماعية.فمحاربة الإرهاب و عوامله لا يمكن أن يقتصر فقط على المقاربة الأمنية وحدها، و الآفات الاجتماعية لا يمكن معالجتها إلا عبر تصحيح الاختلالت التي تطفو على المستوى الاجتماعي و اجتثاثها من جذورها، هذا بالنسبة للسياق الوطني.
المطلب الثاني : السياق الدولي.
أما على مستوى السياق الدولي فقد صادف الإعلان عن المبادرة مناخ دولي دولي من تحديداته وتجلياته:
1ـ التزام الدولي ببنود عدة اتفاقيات دولية ومصادقته عليها، والتي تحث في مجملها على دور التنمية على دور التنمية البشرية و التنمية البيئية في إحلال الاستقرار و إرساء دعائم الدولة الحديثة و المتقدمة.
2ـ بروز مفهوم "التنمية البشرية وهيمنة قيم التنمية والموارد البشرية على الخطاب العالمي"(1) و مدى انعكاسها على وتيرة تقدم المجتمعات ورقيها و معالجتها لإختلالاتها الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية.
3ـ صدور تقرير البنك الدولي عن التنمية في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، و حثه على ترسيخ مفهوم الحكامة الجيدة لاعتباره أن "الحكم الجيد الذي تعمل المؤسسات العامة فيه بصورة متجاوزة وشفافة هو أساس التقليص من معدلات الفقر و حفز النمو وقد أظهرت دراسات عديدة أن الحكم الرديء يؤدي إلى تباطؤ النمو، و إلى خدمات قليلة الفعالية و إلى تفويت الفرص للتنمية البشرية بسبب مشاركة الموظفين المحدودة في صنع مستقبلهم".
4ـ اتجاه مجتمعات الألفية الثالثة التي عقدت مؤتمرها خلال السنة الماضية بنيويورك، نحو تشييد مجتمعات المعرفة والإعلام، من أبرز توصياته التي خلص إليها، تعميم التعليم و الإنقاص من حدة الأمية بالبلدان المتخلفة إضافة إلى نشر قيم المعرفة و التقنية المعلوميتين.
5ـ إنشاء منتدى المستقبل ـ الذي عقد مؤتمره الأول بالمغرب ـ من أبرز شعاراته" من أجل تنمية مستدامة و عادلة بمنطقة الشرق الأوسط الكبير"، وهو مشروع يهدف إلى ضخ دم التنمية ومحدداتها بشريين البلدان التي تندرج ضمن هذا الأخير، عن طريق تشجيع الاستثمارات و المنافسة الاقتصادية و توطيد دور فعاليات المجتمع المدني في عملية التنمية المحلية.
6ـ كما ساهمت تحديات الشراكة الاقتصادية والأسواق الحرة المقبل عليها المغرب مع العديد من التكتلات الاقتصادية، في التعجيل بالوقوف على الوضعية الاجتماعية و الاقتصادية حتى تكون بلادنا بمستوى هذه الرهانات و التحديات.
7ـ كما أن منطق العولمة و آلياتها التي أصبحت تتحكم في تسيير دواليب العالم على كافة مستوياته، أصبح يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى بناء دول ذي مقومات و ثوابت حديثة ومتينة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، حتى يتسنى لها أن تكون فاعلة بدورها في هذه المنظومة الكونية التي لا ترحم أحدا من المتخلفين عن قوانينها.
كل هذه العوامل وتلك بدت واضحة و جلية في الخطاب الملكي ل18 ماي،2005 فمعالجة الأزمة الاجتماعية و القضاء على البطالة و التهميش و الفقر والحرمان و تبعاتهم، أكيد يحتاج إلى سياسة حكيمة و عزيمة مبيتة، منفتحة على كافة شرائح المجتمع بمختلف مستوياته، تأخذ في اعتبارها الإكراهات والتحديات و العوامل الداخلية والخارجية.
ظهور مصطلح التنمية البشرية
في العقد الأخير من القرن الماضي تنامي الوعي بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة، وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة. وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان والذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح. لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان.
فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره وخاصة منذ التسعينات، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر وترسيخ هذا المصطلح.
ما هي التنمية البشرية؟
إن مصطلح التنمية البشرية يؤكد على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرخاء للمجتمع، وما التنمية البشرية إلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.
إن مفهوم التنمية البشرية هو مفهوم مركب من جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات. والتنمية البشرية هي عملية أو عمليات تحدث نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على هذا الكوكب.
والتنمية البشرية المركبة تستدعي النظر إلى الإنسان هدفا في حد ذاته حين تتضمن كينونته والوفاء بحاجته الإنسانية في النمو والنضج والإعداد للحياة .إن الإنسان هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها. إن هدف التنمية تعنى تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية، واتجاهاته الفكرية والعلمية والثقافية.
إن مفهوم التنمية البشرية مركب يشمل مجموعة من المكونات والمضامين تتداخل وتتفاعل في عملياته ونتائجه جملة من العوامل والمدخلات والسياقات المجتمعة وأهمها: عوامل الإنتاج، والسياسة الاقتصادية والمالية، مقومات التنظيم السياسي ومجالاته، علاقات التركيب المجتمعي بين مختلف شرائحه، مصادر السلطة والثروة ومعايير تملكها وتوزيعها، القيم الثقافية المرتبطة بالفكر الديني والاقتصادي، القيم الحافزة للعمل والإنماء والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد أداةً للتقدم والتنمية. وهكذا يمكن القول أن للتنمية البشرية بعدين..
 البعد الأول
§ يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، المهارية، الروحانية ....
 أما البعد الثاني فهو أن
§ التنمية البشرية عملية تتصل باستثمار الموارد والمدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشرية عن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل و البنية المؤسسية التي تتيح المشاركة والانتفاع بمختلف القدرات لدى كل الناس.
من منّا لا يريد تحقيق النجاح و السعادة؟ بالطبع كل منّا له طموحاته و أحلامه الخاصة في مجال الحياة الروحانية، الأسرية، الاجتماعية، والمهنية.
التنمية البشرية هي السبيل للتقدم بخطوات واثقة مدروسة نحو تحديد وتحقيق أهدافك. فلكي تحقق السعادة يجب أن تنمي الجوانب السبعة لشخصيتك.
تعرف على الجوانب السبعة للتنمية الذاتية
لكي تحقق السعادة و النجاح فعليك أن تهتم بتنمية كل من هذه الجوانب في حياتك:
الجانب الإيماني والروحاني
الجانب الصحي والبدني الجانب الشخصي الجانب الأسري  الجانب الاجتماعي الجانب المهني الجانب المادي وتحقيق الاستقرار في كل من هذه الجوانب يشكل ركنا رئيسيا في تحقيق النجاح والاستقرار
الأبعاد البشرية
1 – تثبيت النمو الديموغرافي
وتعني التنمية المستدامة فيما بالأبعاد البشرية العمل على تحقيق تقدم كبير في سبيل تثبيت نمو السكان، وهو أمر بدأ يكتسي أهمية بالغة، ليس لأن النمو المستمر للسكان لفترة طويلة وبمعدلات شبيهة بالمعدلات الحالية أصبح أمرا مستحيلا استحالة واضحة فقط، بل كذلك لأن النمو السريع يحدث ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات على توفير الخدمات. كما أن النمو السريع للسكان في بلد أو منطقة ما يحد من التنمية، ويقلص من قاعدة الموارد الطبيعية المتاحة لإعالة كل ساكن .
2 – مكانة الحجم النهائي للسكان
وللحجم النهائي الذي يصل إليه السكان في الكرة الأرضية أهميته أيضا، لأن حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة بدقة. وتوحي الإسقاطات الحالية، في ضوء الاتجاهات الحاضرة للخصوبة، بأن عدد سكان العالم سيستقر عند حوالي 11,6 مليار نسمة، وهو أكثر من ضعف عدد السكان الحاليين. وضغط السكان، حتى بالمستويات الحالية، هو عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى؛ لأن نمو السكان يؤدي بهم إلى الأراضي الحدية، أو يتعين عليهم الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
3 – أهمية توزيع السكان
كما أن لتوزيع السكان أهميته: فالاتجاهات الحالية نحو توسيع المناطق الحضرية، ولاسيما تطور المدن الكبيرة لها عواقب بيئية ضخمة. فالمدن تقوم بتركيز النفايات والمواد الملوثة فتتسبب في كثير من الأحيان في أوضاع لها خطورتها على الناس وتدمر النظم الطبيعية المحيطة بها. ومن هنا، فإن التنمية المستدامة تعني النهوض بالتنمية القروية النشيطة للمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن، وتعني اتخاذ تدابير سياسية خاصة من قبيل اعتماد الإصلاح الزراعي واعتماد تكنولوجيات تؤدي إلى التقليص إلى الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر.
4 – الاستخدام الكامل للموارد البشرية
كما تنطوي التنمية المستدامة على استخدام الموارد البشرية استخداما كاملا، وذلك بتحسين التعليم والخدمات الصحية ومحاربة الجوع. ومن المهم بصورة خاصة أن تصل الخدمات الأساسية إلى الذين يعيشون في فقر مطلق أو في المناطق النائية؛ ومن هنا فإن التنمية المستدامة تعني إعادة توجيه الموارد أو إعادة تخصيصها لضمان الوفاء أولا بالاحتياجات البشرية الأساسية مثل تعلم القراءة والكتابة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، والمياه النظيفة. والتنمية المستدامة تعني –فيما وراء الاحتياجات الأساسية- تحسين الرفاه الاجتماعي، وحماية التنوع الثقافي، والاستثمار في رأس المال البشري- بتدريب المربين والعاملين في الرعاية الصحية والفنيين والعلماء وغيرهم من المتخصصين الذين تدعو إليهم الحاجة لاستمرار التنمية.

معالم المنهج الإسلامي في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية منها



معالم المنهج الإسلامي في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية منها
بعد هذا العرض نصل إلى محاولة استخلاص أهم معالم المنهج الإسلامي وخطته في مكافحة الخمر والمخدرات والوقاية من أضرارها المختلفة، ومن الواضح أنه منهج يندرج في النسق العام لفلسفة الإسلام الشاملة في التربية والتغيير وإعادة تشكيل الأفراد والمجتمع وفق المنظور الإسلامي المتميز.
إن معالجة الإسلام لموضوع الخمر والمخدرات كانت عبارة عن مخطط محكم، برنامج عمل طويل الأمد، منح لنفسه ما يكفي من الوقت، وجند لإنجازه وإنجاحه مختلف الوسائل المتوفرة، فاتحدت إلى جانبه الإرادات الفردية والاجتماعية والتشريعية والسياسية، تدعمه وتسانده، وتسهر على تنفيذه، وتحرص على إنجاحه، ومن أهم تلك الجوانب التي شملها هذا المخطط ما يلي :
 الجانب الفردي : حيث وقع التركيز في المعالجة والوقاية بالدرجة الأولى على الأفراد، على الإنسان، على تغيير ما بنفسه من أجل تغيير حاله وواقعه، ولذلك كانت الركيزة الأولى هي بناء الأساس العقدي النفسي عند الإنسان، ودعم مناعته النفسية عن طريق تقوية إيمانه، وتعزيز تشبثه بتعاليم الإسلام، وتحسيسه بأهمية الاندماج في مجتمعه المسلم، وبضرورة الحفاظ على نفسه وصحته من الهلاك.
وكان أسلوب المعالجة متنوعاً فيه ترغيب وترهيب، وفيه وعد ووعيد، وفيه نصح وإرشاد وتوجيه، وفيه أيضاً تلطف بالعاصي المخالف وتحفيز له على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وإلى أحضان المجتمع ليتخلص بسرعة من ذنبه ومن آثار زلته، أسلوب يخاطب العقل ويقنعه بالحجة والبرهان، ويستميل العاطفة بالرفق وبالتي هي أحسن.
 الجانب الاجتماعي : من أهم عوامل نجاح هذا المنهج أن توفرت له "الإرادة الاجتماعية" أي اتفاق الجميع على قبوله واتباعه، ومساهمتهم الفعالة في تنفيذه وتطبيقه. وقد تجلى ذلك في الاستجابة الفورية لتطبيق أمر الله ورسوله في تحريم تعاطي الخمر والتعامل بها، وفي إتلافها وإزالة آثارها من الحياة الاجتماعية للمسلمين، كما تتجلى في تعزيز حملة مكافحة الخمر عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما ساعد على تقوية المناعة الاجتماعية ضد أي مخالفة لأوامر الله في الخمر والمسكرات.
 الجانب التشريعي والتنفيذي : كانت الإرادة التشريعية الإسلامية واضحة صريحة حازمة في تحريم الخمر والمخدرات، وهو ما يظهر من خلال مجموعة النصوص (آيات قرآنية، أحاديث نبوية، فتاوى فقهية) التي صدرت بشأن تعاطي الخمر والمخدرات، والمتاجرة فيها، والتعامل بها، والتحذير من أضرارها ومخاطرها. وإلى جانب هذه الإرادة التشريعية، كانت هناك الإرادة السياسية التنفيذية، بخاصة في عهد النبوة والخلافة الراشدة، حيث أظهر الرسول صلى الله عليه و سلم    وصحابته الكرام حزماً وعزماً أكيدين في تنفيذ حكم الله في الخمر والمسكرات، وتخليص المسلمين والأمة الإسلامية منها ومن آثارها المدمرة.

المفسدات الحسية:
وهي التي تؤدي إلى الإخلال بالعقل، بحيث يصبح الإنسان كالمجنون، وهذه المفسدات هي: الخمور والمخدرات وما شابهها.
وقد جاء تحريم ذلك في كتاب الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:91).
كما ورد تحريمها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام. ومن شرب الخمر في الدنيا فمات، وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة" (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". (متفق عليه)
أي إنه حين يشربها يرتفع عنه إيمانه، كما قال بذلك بعض أهل العلم. وكذلك لعن كل من يمت للخمر بصلة في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها". (صحيح الجامع).
كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذريعة وسبب قد يؤدي إلى تناولها، وذلك من التدابير الوقائية، فنهى عن الجلوس على مائدة يدار فيها الخمر، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر".
وكذلك حرم التداوي بالخمر، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس بدواء ، ولكنه داء" (صحيح الجامع) وذلك تحرزاً من الاعتياد عليها من مبدأ التداوي بها. لذلك قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".(صحيح الجامع)
وقد أجمع الفقهاء الذين ظهرت في عصورهم هذه الآفة على تحريمها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما الحشيشة الملعونة المسكرة، فهي بمنزلة غيرها من المسكرات، والمسكر منها حرام باتفاق العلماء بل كل ما يزيل العقل فإنه يحرم أكله ولو لم يكن مسكراً". (مجموع الفتاوى ج 34 ص 204).
ولا يشك عاقل في ضرر المسكرات والمخدرات على العقل وإفسادها له ، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "الخمر ما خامر العقل" أي غطاه.
وتغطية العقل تؤدي إلى فساد تصرف الإنسان؛ فيخرج بأفعاله عن المألوف؛ وكلامه عن المعروف؛ فالخمر مفتاح كل شر كما قال بذلك النبي صلى الله عليه وسلم "لا تشربوا الخمر فإنها مفتاح كل شر" (صحيح الجامع).
فشرها وشؤمها لا يقتصر على صاحبها فحسب، بل يتعدى إلى الغير، ويجر متناولها إلى ارتكاب منكرات ومفاسد كثيرة في الناس، فهي أعظم أسباب التعدي على الضرورات الخمس، التي جاءت الشريعة بحمايتها وحفظها، فكم حصل بسببها سفك للدماء المحرمة، وانتهاك للأعراض وإتلاف للأموال، وإفساد للعقول وتفويت لمصالح الدين وتضييع لأمانات الحقوق والمعاملات التي شملها مفهوم الأمانة الواسع الذي هو كل ما في عهدة الإنسان من أمور حسية ومعنوية من حقوق ومعاملات ونعم وغيرها.
ومن المناسب أن نذكر هنا قصة وردت في السنة تكشف تعدي خطر الخمر على الحقوق والضرورات.. فقد روى النسائي بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد، فعلقته - أي أحبته وعشقته - امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية ـ أي إناء خمر- فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمر كأساً، أو تقتل هذا الغلام، فقال: فاسقيني من هذا الخمر كأساً، فقال: زيدوني، فلم يدم حتى وقع عليها، وقتل النفس.. فاجتنبوا الخمر؛ فإنه والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا يوشك أن يخرج أحدهما الآخر".
وقد بينت إحصائيات الأمن العالمية أن الصلة وثيقة بين السُكْر وبين القتل، والضرب والجرح ، الجرائم الجنسية والحريق والجرائم غير العمدية كحوادث السيارات مثلاً.
ومن سلبيات المخدرات الشنيعة أنها سبب في تشتيت الحياة العائلية؛ فتصبح حياة المؤمن الزوجية جحيماً لا يطاق، فهو مهمل لبيته وزوجته وأولاده مهين لهم، تزداد عنده حالة الشك والريبة في كل من حوله.
والآن لماذا تعاطي هذه القنابل الذرية المدمرة للذات والعقل والروح؟ وقد بينت الإحصائيات أن أكثر من دمرت هذه القنابل فئة الشباب الذين هم قوة الشعوب وطاقتها حيث يبلغ نسبتهم حوالي70% من مجموع أعداد المدمنين.
ومما يدفع إلى تعاطيها - وخاصة فئة الشباب - عدة أسباب رئيسية نستطيع أن نجملها في أمور منها:
1ـ اتفق المصلحون على أن ضعف الإيمان وغياب الوازع الديني سبب رئيسي لانتشار المخدرات، وذلك الأمر يعود إلى ضعف التربية الإيمانية وغياب التوعية الدينية من قبل الآباء لأبنائهم وإهمال إنشاء الحصانة العقيدية والفكرية التي تغرس في قلب الناشئ معرفة الله تعالى  ومراقبته واستشعار معيته وعظمته، حتى تتعلق قلوبهم وأرواحهم بالله تعالى خوفاً ورجاءً؛ فتكون جميع حركاتهم وسكناتهم السرية والعلنية موافقة لمنهج الله تعالى لإحساسهم الدائم بمراقبته وإحصائه لأعمالهم وأنهم مجزيون بها عائدة عليهم تبعتها كما قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (النجم: من الآية31). وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى*  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} (النجم:41) .
والمواصلة معهم على المنهج التربوي الإيماني والتركيز عليه، وبهذا المنهج تربى الطفل في عصر النبوة تربية راسخة، جعلته قوة فعالة ثابتة، وروحاً تقية نقية، في أمثلة واقعية تفوق الخيال، فلا يكاد يفرق بين الرجل الكبير والطفل الصغير؛ فالكل كبار بأفعالهم الحميدة.
2- الانفتاح المادي مقابل التوسع الإعلامي أحدث تيارات من الفتن والمغريات الجارفة، قل صبر فئات كثير من الناس أمامها، فانغمسوا فيها، ونسوا كثيراً مما ذكروا به، وغفلوا عن أوامر ربهم، وما رتب عليها من الجزاء، فغلبت الشهوات وضعف الدين، وتنكب كثير من المسلمين عن صراط الله المستقيم.
3ـ ومن أسباب انتشار المخدرات: تفكك المجتمع والروابط الأسرية وعدم وجود الروابط الاجتماعية المتنوعة، إذ إن الحياة العصرية الحديثة اتسمت بالجري الدائم وراء المزيد وتحقيق المصالح الشخصية، الأب يريد أن يزيد دخله ويرفع مدخراته، والأم تسعى لإبراز وجودها الاجتماعي- وما يتطلبه ذلك من مظاهر- وكذلك استغلال دخلها المادي، والأبناء لهم مطالب في مجاراة أترابهم وأبناء عصرهم الذين بهرهم بريق الحضارة الغربية، بما تحمله من ضلال وفساد، فكان من جراء ذلك التقليد الأعمى، والتطبيق لما يرد عليهم من هناك تحت مسميات وشعارات "الموضة والترفيه" وأحياناً باسم التقدم والتطور وأوهام الحرية المزعومة، فتشكل من ذلك كله ضعف الترابط الأسري، واتساع الفجوة بين الآباء والأبناء وصعوبة التفاهم بينهم، فانتقل هذا التيار المدمر من بلاد الغرب إلى البلاد العربية والإسلامية، فأدى إلى اضطرابات نفسية وقلاقل اجتماعية وجدب عاطفي، دفع الكثير من الشباب إلى تناول المسكرات والمخدرات كحل ومهرب من هذه الضغوط.
وتحت هذا السبب أيضاً، فإن الشاب قد يصل إلى مرحلة متطورة من الإدمان دون أن يشعر أفراد البيت ببوادر تناوله للمخدرات الواضحة، وما ذلك إلا لغياب دور الرقيب من قبل الآباء والأمهات وإهمال متابعة الأبناء والجلوس والحديث معهم عن قرب بصورة دائمة لكثرة الارتباطات والعلاقات وازدحام الأشغال.
4ـ وهذا السبب يمكن أن يلحق بالسبب السابق، ألا وهو أصحاب السوء وهم من أهم أسباب انتشار المخدرات؛ فيندفع الشاب حيال ضغوط الأصحاب وإغراءاتهم إلى أن يجرب بعض الخمور والمخدرات، كما يدفعه إلى ذلك عوامل عديدة من بينها: البحث عن اللذة والعابرة، وتجريب الجديد، وإشباع الفضول وحب المغامرة، وإثارة التقليد.
ومن المعلوم ما للقرناء من تأثير قوي على الإنسان، سواء السلبي منه والإيجابي، فإن دائرة التأثير ستتناول الصاحب سواءً رغب أم لم يرغب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".(رواه أبوداود والترمذي عن أبي هريرة وحسنه الألباني)
5ـ إن هناك سبباً لا يمكن إغفاله؛ لأنه له دور خطير في ترويج المخدرات وإبراز أساليب نقلها وانتشارها وتناولها، ألا وهو وسائل الإعلام.. يقول أحد الأطباء المختصين بعلاج الإدمان: "قد ظهر واضحاً لنا أن من أهم عوامل إقبال الشباب على إدمان المخدرات، هو التقليد الأعمى لما يشاهدونه في الأفلام سواءً كانوا في العالم الغربي أم في العالم العربي، وما يشيعونه من تقليعات يقلدها الشاب".
ومن ذلك ظهور الممثل وهو يتعاطى المخدرات - خاصة إذا كان هو بطل القصة - فإن هذا يعد من أنجح أساليب دفع الأطفال والشباب إلى تقليدهم، وكذلك ما يصور في تلك الأفلام من أساليب ووسائل ماكرة لترويجه ونقله من مكان إلى آخر، وطرق بيعه وشرائه والحصول عليه، ونحو ذلك مما يسهل عملية التطبيق ويفتح أبواباً لحركة الترويج.
6ـ ومن الأسباب المساعدة على انتشار المخدرات: الفراغ والملل الذي يرجع إلى عدم معرفة الهدف الصحيح والغاية من الحياة، وعدم وجود التصور الواضح للواجبات والمسؤوليات، ويعد الفراغ ووفرة الوقت لدى الناس ـ والشباب بصفة خاصة ـ مشكلة من المشاكل الكبيرة التي يعانون منها، فإن كثيراً من مظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة ـ ومنها المخدرات ـ كان الفراغ من أهم الأسباب الدافعة إليها، إذ أن وفرة الوقت دون عمل يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية والأفكار والهواجس النفسية الخطيرة مما لا يمكن أن يحصل له أثناء الانشغال بعمل ما.
وتزداد ساعات الفراغ عند الشباب خاصة لتصل إلى أكثر من 7 ساعات في الإجازات، وهذا الأمر يدعو لمزيد من القلق والحذر وأخذ الحيطة من الأخطار التي يمكن أن يقع فيها هذا الشباب المندفع دون هدف أو تخطيط أو برمجة.
فتظل مشكلة استثمار أوقات الفراغ لشبابنا، بطرق ووسائل وأساليب إيجابية هدفاً يجب أن يسعى الجميع إلى تحقيقه، وذلك من أبرز الطرق الوقائية والفعالة في مجال مكافحة تعاطي المخدرات، كما نوصي الآباء بالاهتمام بإشغال وقت فراغ أبنائهم من خلال التفرغ للجلوس والحديث معهم وربطهم بالنشاطات العلمية والبرامج الثقافية والرياضية المختلفة، ووضع هذه النشاطات في جداول زمنية منظمة تكفل شغل كامل يوم الابن دون ثغرات.
إذن ما هو الحل؟
بعد هذا الاستعراض لمشكلة المخدرات من المنظور الشرعي وأسباب انتشارها يتساءل كل عاقل غيور ما الحل إذن؟
نقول: الإسلام هو الحل الوحيد الذي يقدم حلاً شمولياً جذرياً لهذه المشاكل؛ ذلك لأن الإسلام يعالج المشكلة من جذورها، وأهم جذورها هو المستهلك، وهو الشخص القابل لتناول المخدرات، الشخص الذي ضعف إيمانه، وأمام أي مشكلة يجد نفسه مرتاعاً قلقاً مضطرباً يبحث عن مهرب في جرعة يتناولها تنسيه لحظتها همومه، ثم يعقبها بعد ذلك هموم وحسرات لا تنتهي إلى الأبد.
إن تطبيق الإسلام الصحيح في كافة مناحي الحياة يشمل الفرد والمجتمع، يؤدي إلى  تجفيف منابع الشر والتشتيت، فالمجتمع الإسلامي الحقيقي مجتمع مترابط متكافل يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، وهو كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
إن تطبيق الإسلام بإيمانياته وسلوكياته، يعطي المؤمن شعوراً بالرضا والسعادة؛ لأنه على صلة بالله في ليله ويومه، إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته نعماء شكر، وأمره كله خير، إذا نزلت عليه مصيبة لجأ إلى مولاه وبارئه متوكلاً عليه، معتمداً على كرمه، فهو في سعادة حتى يقول قائلهم وهو في تلك اللحظات الروحية: "لو كان أهل الجنة عيشهم كعيشي؛ إنهم إذن لفي عيش طيب".!
كل ذلك ممكن أن يصيغه الإسلام الصحيح والإيمان العميق، بل أكثر من ذلك، فهو الحل لمئات المشاكل والانحرافات الأخرى، ولكن بشرط واحد: أن ينفذ الإسلام على الوجه الصحيح جملة واحدة، ولا يجزأ فيقبل منه جزء ويترك جزء ويطبق أمر ويترك آخر، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (البقرة: من الآية208). أي في الإسلام المأمور به كله بجزئياته وتفضيلاته.
لنستمع لهذه القصة التي يظهر فيها قوة الاستجابة عند المؤمن دون الحاجة إلى رقيب، فالرقيب في النفس، والله حاضر شاهد.. أخرج الأمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي دجانة، ومعاذ بن جبل، وسهل بن ياء حتى مالت رؤوسهم من خليط بر وتمر، فسمعت مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم، ثم خرجنا إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90). وفي موقف آخر: فعندما سمعوا الأمر {فهل أنتم منتهون} قالوا انتهينا ربنا، انتهينا ربنا.
تلك هي ثمرة الإيمان، ولا بد أولاً من غرس بذرة الإيمان حتى نقطف ثمارها، ولن يجدينا كثيراَ ـ إذا فقدنا الإيمان الرادع ـ أن نوضح بالأرقام والعلوم والطب وكل وسائل الإعلام أضرار الخمر والمخدرات، لن يجدينا ذلك مع فقد الإيمان، من ذلك أيضاً الشقاء والتعاسة الذي تعيشه الإنسانية اليوم لا حل آخر لها غير الإسلام وتحقيق اللجأ إليه وتوثيق الصلة به سبحانه قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى*قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طـه:126) .
ولا نقول كقول القائل: تلك أمة قد خلت؛ بل إن هذه المواقف الإيمانية والاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم قائمة ماثلة أمام أعيننا في هذا العصر، بل قد تصل إلى المعجزات الباهرة التي أعجزت جميع القوى البشرية، ومن ذلك تحول بعض نزلاء السجون الأمريكيين ومدمني المخدرات إلى الطهارة والنقاء بعد أن قذف الله في قلوبهم نور الإيمان ودخلوا في دين الله أفواجاً حتى شكلوا بأحد سجون واشنطن نسبة 23% من مجموع المسجونين.
ثم لا يفوتني هنا أن أركز على دور البيت كحل وقائي دون انغماس الأبناء في الرذائل والانحرافات المختلفة، فالواجب على الآباء والأمهات أن يكونوا  قائمين على البيوت بالمتابعة والمراقبة مغلقين دون أبنائهم أبواب الفساد، فوجودهم الصالح في البيوت وإيجاد المناخ الإسلامي أعظم سبب للإصلاح ـ بعد توفيق الله - كما أن غيابهم وذهاب سلطانهم في البيوت من أعظم أسباب الانحراف والتشتت.
إن مسؤوليتهم في هذا الجانب تتمثل في توعية الأبناء بأخطار المخدرات، وطبيعة انتشارها، وجلوسهم معهم من وقت لآخر ليزودوهم بالمعلومات التي تبرز هذا الأمر ونهاياته التعيسة وتزويدهم بالإحصائيات المروعة في ذلك، وقفل كل باب يمكن أن يؤدي إلى تعاطي المخدرات وأهمه: رفقاء السوء، والأفلام التي تمجد وتعظم متعاطي المخدرات، وحماية الشباب من السفر لبلاد الخارج حيث تنتشر المخدرات والمسكرات بصورة أكبر وعلى جميع المستويات، هذا ما يمكن إجماله في أسباب الوقاية وحلول العلاج من هذه السموم القاتلة.
سائلين المولى الكريم أن يقينا وجميع المسلمين من شرورها، ويعصمنا من كل سوء، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ملف حول العولمة والهوية الثقافية





1) تحديد المفاهيم.
· العولمة: لغة هي تعميم الشيء ليكتسب صفة عالمية.واصطلاحا سيادة نموذج سياسي واقتصادي واجتماعي -ثقافي....موحد على الصعيد العالمي.
· الثقافة: هي منظومة مركبة ومتجانسة من القيم والتقاليد والعادات والأحلام والآمال والإبداعات. ...وهي المعبرة عن خصوصية مجموعة بشرية معينة في الزمان والمكان.وليست هناك ثقافة واحدة وإنما تسود أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق والانعزال، ومنها ما يسعى إلى الانفتاح و الانتشار.
· الهوية: هي ما يميز الشخص عن الآخرين.إنها العلامات التي تميز الفرد أو الجماعة أو الأمة عن الآخرين.

2) خصائص كل من العولمة والهوية الثقافية.
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لايقبل التمايزات ولا الخصوصيات.مذهب واحد ونهائي على الصعيد العالمي.بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف .فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية:هوية فردية داخل القبيلة أو الطائفة أو الحزب...تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي .ثم هناك هوية جماعية تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة وان اختلفت عن باقي الجماعات الأخرى.ثم هناك الهوية الثقافية القومية أو الوطنية تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم والقوميات الأخرى.

3) العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية.
· تسعى العولمة نحو الوحدة والنمطية، بينما تدافع الهوية عن التنوع والتعدد.
· تهدف العولمة إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما تسعى الهوية الى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان .
· الهوية هي انتقال من العام إلى الخاص ومن الشامل إلى المحدود بينما تبحث العولمة عن العام والشامل واللامحدود واللا تجانس .
انها علاقة صراعية تصادمية بين العولمة والهوية الثقافية.فالعولمة تشبه القناص والهوية تشبه الطريدة .ملاحقة ومطاردة.فهل ستنجو الطريدة وتحافظ على بقائها ؟؟؟الواقع وانتظارات المستقبل ستجيب.ولكن ماهي فرص نجاة الهوية من العولمة في ظل سيادة وسائل وأدوات تحاول سحق الهويات والخصوصيات؟؟؟؟؟

4) وسائل وأدوات انتشار العولمة في المجال الثقافي.
· وسائل الاتصال والإعلام: تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الانترنيت والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة و الهاتف...
· الوسائل الفنية:الموسيقى والمسرح والسينما والرسوم المتحركة...
· الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الانجليزية والفرنسية في التواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة.فاللغة حاملة للثقافة والحضارة الانجليزية والفرنسية .

5) جوانب تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى.
· التأثير اللغوي: استعمال اللغة الفرنسية والانجليزية في الإدارة والاقتصاد والاتصال وفي المقررات الدراسية وفي التواصل اليومي بين الفئات الاجتماعية في البيت والشارع ....
· التأثير الخلقي: يتجلى في انتشار سلوكات العنف والجنس في وسائل الإعلام والسينما والانترنيت بشكل اباحي يتناقض مع الحشمة والعفة التي لا تزال تتشبث بها المجتمعات المحافظة.
· التأثير القيمي: تتزايد محاولات نشر قيم واحدة على الصعيد العالمي في الموسيقى والملبس والمأكل- الهامبورغر والماكدولندز-والعلاقات الأسرية المتجهة نحو طغيان الفر دانية ...وطغيان ثقافة الاستهلاك الرأسمالي الذي يتواصل في تجدده وتنوعه وإغراءاته.


تهدف هذه الورقة إلى رسم إطار عام للعلاقة بين العولمة والهوية الثقافية كما يمكن أن ترصد اليوم في الوطن العربي، سواء كعلاقة قائمة بالفعل أو كما يمكن أن تقوم في المستقبل. وهي تستعيد بصورة أو بأخرى معطيات سبق تقريرها في أعمال سابقة. وبالتالي فالورقة تقدم أطروحات تؤخذ هنا كحقائق أو مسلمات سبق تبريرها في أعمال أخرى. هذه الأطروحات هي:

الأطروحة 1 : ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، بل ثقافات…
إننا نقصد بـ "الثقافة" هنا: ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية، تشكل أمة أو ما في معناها، بهويتها الحضارية، في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء. وبعبارة أخرى إن الثقافة هي "المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم، عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده، وما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي أن يأمل".

تلزم عن هذا التعريف، لزوما ضروريا، النتيجة التالية، تشكل قلب هذه الأطروحة وجوهرها، وهي أنه: ليست هناك ثقافة عالمية واحدة، وليس من المحتمل أن توجد في يوم من الأيام ، وإنما وجدت، وتوجد وستوجد، ثقافات متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية، أو بتدخل إرادي من أهلها، على الحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة. من هذه الثقافات ما يميل إلى الانغلاق والانكماش، ومنها ما يسعى إلى الانتشار والتوسع، ومنها ما ينعزل حينا وينتشر حينا آخر.
الأطروحة 2 : الهوية الثقافية مستويات ثلاثة: فردية، وجمعوية، ووطنية قومية. والعلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساسا بنوع "الآخر" الذي تواجهه.
إن الهوية الثقافية كيان يصير، يتطور، وليست معطى جاهزا ونهائيا. هي تصير وتتطور، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم، انتصاراتهم وتطلعاتهم، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما.
وعلى العموم، تتحرك الهوية الثقافية على ثلاثة دوائر متداخلة ذات مركز واحد:
- فالفرد داخل الجماعة الواحدة، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية (حزبا أو نقابة الخ…)، هو عبارة عن هوية متميزة ومستقلة. عبارة عن "أنا"، لها "آخر" داخل الجماعة نفسها: "أنا" تضع نفسها في مركز الدائرة عندما تكون في مواجهة مع هذا النوع من "الآخر".
- والجماعات، داخل الأمة، هي كالأفراد داخل الجماعة، لكل منها ما يميزها داخل الهوية الثقافية المشتركة، ولكل منها "أنا" خاصة بها و"آخر" من خلاله وعبره تتعرف على نفسها بوصفها ليست إياه.
- والشيء نفسه يقال بالنسبة للأمة الواحدة إزاء الأمم الأخرى. غير أنها أكثر تجريدا، وأوسع نطاقا، وأكثر قابلية للتعدد والتنوع والاختلاف.
هناك إذن ثلاثة مستويات في الهوية الثقافية، لشعب من الشعوب: الهوية الفردية، والهوية الجمعوية، والهوية الوطنية (أو القومية). والعلاقة بين هذه المستويات ليست قارة ولا ثابتة، بل هي في مد وجزر دائمين، يتغير مدى كل منهما اتساعا وضيقا، حسب الظروف وأنواع الصراع واللاصراع، والتضامن واللاتضامن، التي تحركها المصالح: المصالح الفردية والمصالح الجمعوية والمصالح الوطنية والقومية.
وبعبارة أخرى إن العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة تتحدد أساسا بنوع "الآخر"، بموقعه وطموحاته: فإن كان داخليا، ويقع في دائرة الجماعة، فالهوية الفردية هي التي تفرض نفسها كـ"أنا"، وإن كان يقع في دائرة الأمة فالهوية الجمعوية (القبلية، الطائفية، الحزبية الخ) هي التي تحل محل "الأنا" الفردي. أما إن كان "الآخر" خارجيا، أي يقع خارج الأمة (والدولة والوطن) فإن الهوية الوطنية –أو القومية- هي التي تملأ مجال "الأنا".

الأطروحة 3 : لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها: جماع الوطن والأمة والدولة.
لا تكتمل الهوية الثقافية، ولا تبرز خصوصيتها الحضارية، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية، على الأخذ والعطاء، إلا إذا تجسدت مرجعيتها في كيان مشخص تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الوطن والأمة والدولة.
الوطن: بوصفه "الأرض والأموات"، أو الجغرافية والتاريخ وقد أصبحا كيانا روحيا واحدا، يعمر قلب كل مواطن. الجغرافيا وقد أصبحت معطى تاريخيا. والتاريخ وقد صار موقعا جغرافيا.
الأمة: بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة: وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإرادة الجماعية التي يصنعها حب الوطن، أعني الوفاء لـ "الأرض والأموات"، للتاريخ الذي ينجب، والأرض التي تستقبل وتحتضن.
الدولة: بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، والجهاز الساهر على سلامتهما ووحدتهما وحماية مصالحهما، وتمثيلهما إزاء الدول الأخرى، في زمن السلم كما في زمن الحرب. ولا بد من التمييز هنا بين "الدولة" ككيان مشخص ومجرد في الوقت نفسه، كيان يجسد وحدة الوطن والأمة، من جهة، وبين الحكومة أو النظام السياسي الذي يمارس السلطة ويتحدث باسمها من جهة أخرى. وواضح أننا نقصد هنا المعنى الأول.
وإذن، فكل مس بالوطن أو بالأمة أو بالدولة هو مس بالهوية الثقافية, والعكس صحيح أيضا: كل مس بالهوية الثقافية هو في نفس الوقت مس بالوطن والأمة وتجسيدهما التاريخي: الدولة.
الأطروحة 4 : ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا، وبالدرجة الأولى، إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم.
العولمة التي يجري الحديث عنها الآن: نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد. العولمة الآن نظام عالمي، أو يراد لها أن تكون كذلك، يشمل مجال المال والتسويق والمبادلات والاتصال الخ... كما يشمل أيضا مجال السياسة والفكر والإيديولوجيا.
والعولمة تعني في معناها اللغوي: تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله. وهي تعني الآن، في المجال السياسي منظورا إليه من زاوية الجغرافيا ( الجيوبولتيك)، العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا بعينه، هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، على بلدان العالم أجمع. ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور "التلقائي" للنظام الرأسمالي، بل إنها، أيضا، وبالدرجة الأولى دعوة إلى تبني نموذج معين. وبعبارة أخرى، فالعولمة ، إلى جانب أنها تعكس مظهرا أساسيا من مظاهر التطور الحضاري الذي يشهده عصرنا، هي أيضا إيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة، عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته. وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك في الأمور التالية:

1- استعمال السوق العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية، في نظمها وبرامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية.

2- اتخاذ السوق والمنافسة التي تجري فيها مجالا لـ"الاصطفاء"، بالمعنى الدارويني للكلمة، أي وفقا لنظرية



توقفت الحرب الباردة عام 1989 بتفكيك الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الشرقية من أوروبا، بدأت الحروب الساخنة مع التغيير الهيكلي Structural والتنظيمي Systemic لهذه الدول. وتعتبر الحروب العرقية والدينية من أخطر هذه الحروب وأكثرها انتشارًا في عالم ما بعد الحرب الباردة.
واليوم تقف الهويات «تستعرض عضلاتها» - إن جاز التعبير - فهي تظهر في كل مكان معلنة عن تواجدها، في كل المجتمعات التي صارت مقسمة إلى مجموعات ثقافية وأثنية متعددة. وتخضع تلك المجموعات لضغوط العولمة كما تخضع إلى مؤثرات التشتت والانقسام. ونتيجة لذلك وقعت «الدولة القومية» في شراك فخ عميق، إذ صارت ضغوط «الهوية» تضغط بشدة على كيان الدولة القومية من الداخل ومن الخارج.
ففي غضون سنوات قلائل رأينا دولاً مثل «الاتحاد السوفيتي» و «يوغوسلافيا» تختفي وتتلاشى بينما وجدنا دولاً جديدة (حوالي عشرين دولة) تظهر وتبزغ على المسرح العالمي، ومعظمها خرج من عباءة دول كبيرة لتعلن عن «هويتها».
وهكذا فإنه في ظل اتجاه الفرد نحو العولمة والعالمية يتم - في نفس اللحظة - الاتجاه الشديد نحو تحديد الهوية والشخصية. وبينما نجد حياة الفرد تتحول إلى العالمية، نجد الفرد ذاته يسعى جاهدًا لتعريف هويته وشخصيته بطريقة مفتعلة وأكثر حدة عن ذي قبل.
ففي نهاية القرن العشرين، شعر الأفراد والشعوب التي اجتثت جذورها - أو كادت - ولم تعد تجد في «الدولة القومية» إطارًا لا ينازع للأمن والهوية، أنه لم يعد بمقدورهما الاستثمار في الأيديولوجيات التي تدعى أنها عالمية، أو الإيمان بأنها مصدر أساسي للتضامن والحماية في مواجهة تلاطم أمواج العولمة»
إننا نعيش زمن «تسيس» الفروق الثقافية، باعتبارها الشكل الأقصى للنزاعات الأصولية. ويتحول وعي الثقافة إلى رافعة للنزاعات السياسية، يرافقها بحث فردي حثيث عن «الهوية» تنتصر فيه الحركات الأكثر تطرفًا وعنفًا.
إن تعقيد إشكالية «الهوية» -
Identity يأخذ أبعادًا حادة عند معالجة أثر العولمة، مثلاً، على تفعيل الهجرات العمالية من الجنوب إلى الشمال، وتكون جاليات في أوربا. فقد لاحظ «ميتلمان» كيف كانت ردود وانعكاسات اليمين الفرنسي على صعود نجم لاعب الكرة «زين الدين زيدان»، الجزائري الأصل، ضمن الفريق الوطني الفرنسي، وهي ردود سلبية حيث اعتبر اليمين أن الفريق الوطني الفرنسي ضم في تشكيله عددًا أكبر من اللازم من الفرنسيين (غير مكتملي الفرنسية)».
في الوقت نفسه كان الجزائريون سواء في فرنسا أم الجزائر يضجون بالفرح والتأييد لـ «زيدان» باعتباره بطلاً قوميًا رغم أنه فرنسي المولد والإقامة.
هذا المثال يشير إلى معضلة أعمق متعلقة بالوجود الإسلامي في القارة الأوربية، خمسة عشر مليونًا منهم خمسة ملايين في فرنسا وحدها، وهنا تبرز إشكالات الهوية في ظل العولمة، فمن جهة تتزايد موجات العنصرية - حسب ميتلمان - ضد الجاليات المسلمة، ومن جهة أخرى تتزايد نزعات التطرف الديني في أوساط هذه الجاليات كردود فعل من ناحية وكإعادة اكتشاف للدين على أنه مستودع لهوية مهددة من ناحية ثانية.
إن إحدى التحولات الأساسية التي حدثت في المحيط الاجتماعي السياسي، هو التحول من «الوحدة» إلى «التعدد». وصار التعدد والاختلاف هو الهدف، أما الوحدة فيعترف بها فقط من خلال النظر إلى الاختلافات أو من خلال وضع التمايزات في الاعتبار. والسبب في هذا التحول إنما يكمن فيما احتلته «الهوية» من أهمية متزايدة ومتنامية.
فالحروب والمعارك والصدامات والحملات التي تقام في سبيل الدفاع عن «الهوية» هي ما نشاهدها الآن، وقلما نرى الحروب والمعارك التي تخاض في سبيل الدفاع عن مكاسب مادية أو استراتيجية، إذ أن الدفاع عن «الهوية» صار يحتل مكانًا في غاية الأهمية، مثله مثل الدفاع عن المصالح القومية. أول من أشار - قبل خمسة وعشرين عامًا أو يزيد - إلى أن الحروب القادمة سوف تكون بين الديانات والقبليات والأقليات، هو «هنري كيسنجر» مستشار الأمن القومي ووزير خارجية الولايات المتحدة فى مرحلة الحرب البادرة، كان ذلك بمناسبة نجاح ثورة الأمام الخومينى فى إيران.
 

الانترنيت في خدمة التعليم والثقافة © 2011 - تصميم Mukund | شروط الخدمة | سياسة الخصوصية | خريطة الموقع

من نحن | اتصل بنا | اكتب لنا